ويأتي إجراء «الأغذية العالمي» بالتوازي مع إجراءات مماثلة سبقته إليها منظّمات أخرى، من بينها «مفوّضية اللاجئين» التي تقدّم الدعم للسوريين في لبنان والأردن، إذ أعلنت هذه الأخيرة، في الثالث من الشهر الماضي، تخفيض عدد عائلات اللاجئين السوريين في لبنان ممّن يتلقّون مساعدات نقدية، إلى نحو الثلث العام المقبل، وذلك في مواجهة أزمة التمويل المتزايدة، ليصبح أقلّ من 88 ألف عائلة. أيضاً، تشهد المساعدات النقدية المقدّمة للاجئين السوريين في مخيمَي الزعتري والأزرق في الأردن، عمليات تخفيض مستمرة بعد استثناء نحو 50 ألف حالة تمّ شطبها من برنامج المساعدات.
ترسم الأوضاع الحالية صورة شديدة الوضوح عن التوجه الأميركي نحو قضايا أخرى
ومنذ مطلع العام الجاري، شهدت المساعدات الإنسانية التي دخلت إلى شمالي وشمال غربي سوريا تراجعاً مستمراً، وصل إلى نحو 60%، وذلك على الرغم من الظروف المأساوية التي راكمها الزلزال المدمّر. وهو تخفيض ناجم عن نقص متعدّد في التمويل بسبب تراجع الدول المانحة، وعلى رأسها الولايات المتحدة وشركاؤها في الاتحاد الأوروبي، والذين يُعتبرون من أكبر الدول الداعمة لبرامج الأمم المتحدة الإنسانية. وكانت واشنطن، وبعض العواصم الحليفة لها، خاضت، في شهر تموز الماضي، معارك دبلوماسية في أروقة مجلس الأمن لإفشال مشروع روسي يستعيض بشكل تدريجي عن المساعدات الإنسانية العينية، بمشاريع التعافي المبكر، والتي يراد أن تمهّد لعودة النازحين واللاجئين إلى مناطقهم، والانتهاء التدريجي من أزمة النزوح واللجوء، وبالتالي سحب ورقة «الأوضاع الإنسانية» من يد الولايات المتحدة. أيضاً، لعبت هذه الأخيرة دوراً في إفشال «المبادرة العربية» التي تنصّ بشكل صريح على فتح الباب أمام عودة اللاجئين، الأمر الذي ترك السوريين الذين يعيشون في مخيمات النزوح قرب الشريط الحدودي مع تركيا، وفي دول الجوار مِن مِثل لبنان والأردن، أمام سيناريوات قاتمة، على الرغم من الرخصة التي قدّمتها دمشق للأمم المتحدة، والتي تسمح بتمرير المساعدات إلى المنكوبين في الشمال بعدما فشل مجلس الأمن في الخروج بقرار توافقي في هذا الشأن.
وترسم الأوضاع الحالية صورة شديدة الوضوح عن التوجه الأميركي - باعتبار واشنطن المانح الأبرز لبرامج الأمم المتحدة -، نحو التركيز على قضايا أخرى من بينها الملف الأوكراني، والدعم غير المحدود لإسرائيل في حربها على الفلسطينيين في غزة، في ظلّ ضمان حالة الجمود في الملفّ السوري. وهي حالة تبدو ملائمة للولايات المتحدة التي تبقي الملفّ الإنساني لاستعماله لاحقاً، في وقت تسيطر فيه على منابع النفط السوري في الشمال الشرقي، وتتمركز قواتها في قواعد عديدة تقوم بشكل مطّرد بزيادة تحصينها. وتمثّل آخر فصول ذلك التحصين، بإدخال نحو 20 شاحنة تحمل أسلحة ومعدات لوجستية، استقدمتها من منطقة شمال العراق إلى قاعدة مطار «خراب الجير» في ريف الحسكة الشمالي الشرقي، بالإضافة إلى تعزيزات وصلت إلى قاعدة «كونيكو» شمال شرق دير الزور، وإلى قاعدة «التنف» عند المثلث الحدودي مع الأردن والعراق، وهي قواعد تتعرّض، منذ بدء الحرب الإسرائيلية على الفلسطينيين في غزة، لاستهدافات متواصلة من فصائل المقاومة.