في محاولة تشريعية هي الثانية من نوعها لدفع القوات الأميركية إلى الخروج من سوريا، بسبب عدم وجود غطاء قانوني داخلي أميركي لبقائها، فشل مجلس «الشيوخ» الأميركي في تمرير مشروع قانون، قدّمه السيناتور الجمهوري عن ولاية كنتاكي، راند بول، يدعو إلى سحب هذه القوات خلال مدة 30 يوماً، في ظل التهديدات المرتفعة التي تطاول وجودها هناك. ولم يحصل المشروع على عدد الأصوات الكافية لتمريره، إذ حصد 13 صوتاً مؤيداً فقط، فيما صوّت أغلبية الأعضاء ضده (84 صوتاً)، ما يعني إعطاء إذن غير مباشر لقوات الاحتلال الأميركي بمتابعة نشاطها في سوريا، برغم المخاطر المتزايدة مع استمرار عمليات المقاومة ضدها، رداً على الدعم الأميركي غير المحدود لإسرائيل في حربها على قطاع غزة.وفي الجلسة التي ناقش فيها المجلس مشروع القانون القاضي بخروج القوات «بما يسمح بالاستمرار في دعم إسرائيل من دون القلق من العمليات الانتقامية»، قال السيناتور بول: «يبدو لي أنه على الرغم من أن قواتنا البالغ عددها 900 جندي ليست لديها مهمة قابلة للحياة في سوريا، هم لا يبالون». وتابع «إنهم بمثابة مجموعة يمكن أن تقود إلى فخ الوقوع في حرب أكبر، ومن دون مهمة واضحة المعالم. لا أعتقد أنهم قادرون على الدفاع عن أنفسهم بشكل كاف، ومع ذلك سيبقون في سوريا». وأضاف بول أن قوات بلاده في سوريا «تتعرّض لهجمات منتظمة، ليس من داعش، ولكن من الميليشيات المدعومة من إيران»، وفق تعبيره، علماً أن عديد هذه القوات يفوق وفق تأكيدات عديدة الرقم المعلن عنه من قِبل «البنتاغون»، وهو «900 جندي» فقط.
من جهته، أصدر زعيم الجمهوريين في مجلس الشيوخ، ميتش ماكونيل، بياناً، رأى فيه أن «تمرير مثل هذا القرار سيكون بمثابة هدية لإيران». وأضاف أن إخراج القوات الأميركية من الشرق الأوسط هو «بالضبط ما يرغبون في رؤيته»، مشيراً إلى أن «تبنّي هذا الإجراء قصير النظر، ومن شأنه أن يدمّر مصداقية أميركا في المنطقة ويشجّع على فتح جبهة شمالية في الحرب الإقليمية ضد إسرائيل»، وفق تعبيره.
ذكرت وثيقة مسرّبة أن الولايات المتحدة تدفع رواتب لنحو 16 ألف شخص في سوريا


ويعدّ الفشل في تمرير ذلك القانون، هو الثاني من نوعه بعد فشل مشروع سابق قدّمه النائب الجمهوري، مات جايتز، في الثامن من شهر آذار الماضي، إلى مجلس النواب، يطالب إدارة بايدن بسحب القوات الأميركية من سوريا في موعد لا يتجاوز 15 يوماً، استناداً إلى قانون «صلاحيات الحرب» الصادر عام 1973، والذي يحدّ من قدرة الرئيس على بدء أو تصعيد العمليات العسكرية في الخارج. وحينها، فشل المشروع أيضاً في الحصول على عدد الأصوات الكافي الذي يسمح بتمريره، إذ صوّت النواب بـ 321 صوتاً ضدّه، مقابل 103 لمصلحته. كما ليست هذه المرة الأولى التي يبحث فيها مشرعون أميركيون عن «شرعية» وجود قوات بلادهم في سوريا، بعد انحسار تنظيم «داعش» الذي كانت تتستّر واشنطن بمحاربته، وخصوصاً بعدما أعلنت الإدارة الأميركية خلال حكم الرئيس السابق، دونالد ترامب، هزيمة التنظيم عام 2019، قبل أن تتراجع في ما بعد وتعود إلى الحديث عن بقاء يهدف إلى «منعه من العودة». ويُشار، هنا إلى أن هذه القوات تنتشر في أكثر من 13 قاعدة غير شرعية، معظمها في المناطق النفطية السورية، بالإضافة إلى قاعدة «التنف» عند المثلث الحدودي مع الأردن والعراق جنوب البلاد، وهي القاعدة الأكثر أهمية بالنسبة إلى واشنطن لما تقدّمه من خدمات أمنية وعسكرية ولوجستية لإسرائيل.
وفي مفارقة لا بدّ من الوقوف عندها، أصدرت «القيادة المركزية الأميركية» بيانها الشهري المعتاد لحصيلة عملياتها ضد تنظيم «داعش»، والذي تضمّن أرقاماً صادمة كشفت ضآلة نتائج عملياتها. إذ أعلنت أنها نفّذت، بالتعاون مع قوات «التحالف والشركاء الآخرين، خلال شهر تشرين الثاني الماضي، ما مجموعه 40 عملية لهزيمة تنظيم (داعش)، ما أدّى إلى مقتل 4 من عناصر التنظيم واعتقال 33 آخرين». كذلك، قالت إنها «نفّذت في العراق 24 عملية مشتركة أسفرت عن مقتل 3 عناصر من التنظيم واعتقال 14 عنصراً آخرين، و16 عملية في سوريا أسفرت عن مقتل عنصر واحد واعتقال 19 عنصراً»، معتبرة أن هذه العمليات «تسلّط الضوء على التزام القيادة المركزية الأميركية بالهزيمة الدائمة لداعش والحاجة المستمرة إلى جهود عسكرية مستهدفة لمنع أعضاء التنظيم من شن مزيد من الهجمات».
وإلى جانب تمويل القوات الأميركية المنتشرة في سوريا والعراق، والتعزيزات الكبيرة التي دفعت بها منذ ارتفاع عمليات المقاومة ضدّ قواعدها، خصّصت وزارة الدفاع الأميركية مبلغ 542 مليون دولار من ميزانية الدفاع لبرامج تدريبية لقوات تقودها في سوريا والعراق في إطار مكافحة «داعش»، من بينها 177 مليون دولار لدعم «شركاء واشنطن في سوريا» (قوات سوريا الديموقراطية - قسد، وفصائل أخرى، من بينها جيش سوريا الحرة، تنشط في منطقة التنف). وفي السياق، ذكرت وثيقة مسرّبة أن الولايات المتحدة تدفع رواتب لنحو 16 ألف شخص في سوريا، وهو جزء من مبالغ أخرى تخصصها وزارات في الحكومة الأميركية لتغطية نشاطها، من بينها مبالغ خصّصتها وزارة الخارجية لدعم وسائل إعلام سورية بهدف «تعزيز المبادئ الأميركية».
من جهتها، أعلنت «المقاومة الإسلامية في العراق»، أمس، استهداف القاعدة الأميركية في حقل «كونيكو» النفطي في سوريا، وقاعدة «عين الأسد» غربي العراق برشقات صاروخية، مؤكدة، في بيان، أن العمليات التي تأتي «رداً على الجرائم التي يرتكبها العدوّ بحق أهلنا في غزة حققت إصابات مباشرة». على أن هذه الرشقات الصاروخية هي جزء من مجموعة واسعة من العمليات التي تنفذها المقاومة ضد القواعد الأميركية في سوريا والعراق، وصل عددها، بحسب ما أعلنت الولايات المتحدة، إلى 74 هجوماً منذ 17 تشرين الأول الماضي وحتى مطلع كانون الأول الحالي، من دون أن تكشف عن الحجم الحقيقي للأضرار التي تسببت بها.