رام الله | ارتكب جيش الاحتلال، صباح أمس، مجزرة جديدة في مخيم الفارعة للاجئين جنوب مدينة طوباس، أسفرت عن استشهاد 6 شبان، وإصابة آخرين، وسط حصار مطبق فُرض على المخيم، حيث مُنعت الطواقم الطبية ومركبات الإسعاف من العمل. وكانت قوات خاصة إسرائيلية تسلّلت إلى «الفارعة»، في السادسة والنصف صباحاً، بمركبة فلسطينية، على غرار ما دأب جيش الاحتلال على اتّباعه لدى تنفيذ عملياته في مخيمات الضفة لملاحقة المقاومين، لتتْبعها لاحقاً تعزيزات عسكرية حاصرت المخيم من جميع الاتجاهات، فيما اعتلى القناصة أسطح عدد من المباني، في ظلّ اندلاع المواجهات مع جنود العدو الذين شرعوا في إطلاق الرصاص وقنابل الغاز المُسيّل للدموع والصوت.ووفق شهود عيان، فإن القناصة أَعدموا الشبان بإطلاق الرصاص على رؤوسهم مباشرة، فيما تعمّد الاحتلال إحراق المركبات والمنازل، وعذّب بطرق وحشية بعض الشبان الذين جرى اعتقالهم، خلال فترة الاقتحام التي امتدت لساعتَين. وأشار هؤلاء إلى أن إطلاق النار كان بهدف القتل، وموجّهاً على كلّ مَن كان يتحرّك في «الفارعة»، الذي شهد أصوات انفجارات ناجمة عن تفجير بعض العبوات الناسفة المحلّية الصنع، في وقت نعت فيه حركة «الجهاد الإسلامي»، الشهيد براء الأمير، أحد عناصر «كتيبة الفارعة - سرايا القدس». وشيّعت جماهير غفيرة في محافظة طوباس والأغوار الشمالية، شهداء «الفارعة» في مسيرة راجلة جابت شوارع المدينة، ثم انطلقت بموكب مركبات إلى المخيم، حيث تمّ إلقاء نظرة الوداع على الشهداء في ملعب «الفارعة» وفي منازل ذويهم، وسط هتافات للمقاومة وقادتها، ودعوة إلى تصعيد المواجهة والتصدّي لجرائم الاحتلال في الضفة الغربية والقدس وغزة.
ولا ينفصل المشهد في مخيم الفارعة، عمّا يجري في عموم الضفة، حيث لم تَعُد هناك مدينة أو قرية في مأمن من اقتحام أو بعيدة من قتل أو اعتقال وتدمير. وبدا لافتاً، أمس، اقتحام قوات الاحتلال وسط مدينة رام الله، فجراً، لليوم الثاني على التوالي، ونشرها دوريات عسكرية على دوار المنارة وفي محيطه. وكان جنود العدو تعرّضوا، فجر الخميس، لإطلاق نار أكثر من مرّة من قِبَل مقاومين عند الدوار المذكور خلال اقتحام جيش الاحتلال إياه، في حادث هو الأول من نوعه منذ سنوات. ولذا، يبدو أن اقتحام وسط رام الله مرّة أخرى، جاء لينمّ عن رغبة في الاستعراض، وتوجيه رسالة بأنه حتى رام الله التي تتّخذها السلطة الفلسطينية مقراً لها، ليست بمنأى عن الاستهداف. وقال شهود عيان، لـ«الأخبار»، إن أكثر من 20 دورية عسكرية اقتحمت وسط المدينة، وانتشرت في أنحائها، في حين اقتحمت قوات أخرى شارع النهضة في مدينة البيرة الملاصقة لرام الله، وداهمت عدّة مبان من بينها أحد المحالّ التجارية وفتّشته وعبثت بمحتوياته. وفي المقابل، احتشد العشرات من الشبان في المكان، ورشقوا قوات الاحتلال بالحجارة والزجاجات الحارقة.
كذلك، اقتحمت قوات الاحتلال مدينة بيت لحم، وداهمت مناطق مختلفة، واعتقلت نائب مدير أوقاف القدس، الشيخ ناجح بكيرات. كما اقتحمت عدداً من القرى والبلدات والأحياء في مدينة الخليل، جنوب الضفة، حيث احتجزت عدداً من مركبات المواطنين في منطقة الكرنتينا ووادي الهرية ومفترق الديك، وقامت بتفتيشها، وهو ما انسحب أيضاً على قرى وبلدات عدّة في محافظة جنين. لكن مع حلول مساء أمس، سُجّلت عملية إطلاق نار على حاجز «دوتان» غربي جنين، ما أدى إلى إصابة جندي إسرائيلي بجروح، بحسب ما اعترف به جيش العدو. وفي وقت لاحق، تبنّت «كتيبة جنين» العملية، في بيان، قائلة إنها تأتي «ضمن معركة طوفان الأقصى»، مشيرة إلى أن إحدى مجموعاتها تمكنت من «استهداف تمركز قوة مشاة على محيط مستوطنة دوتان بصليات كثيفة من الرصاص و إيقاعهم بين قتيل و جريح و تفجير عبوة شديدة الانفجار مضادة للأفراد في سيارة كانوا يستقلونها». في هذا الوقت، واصلت قوات الاحتلال، للجمعة التاسعة على التوالي منذ بداية الحرب على قطاع غزة، فرْض قيود مشدّدة في مدينة القدس حالت دون تمكّن عشرات الآلاف من أداء صلاة الجمعة في المسجد الأقصى، إذ لم يتمكن سوى 5 آلاف مصلّ فقط من ذلك، فيما باتت المدينة أقرب إلى كونها ثكنة عسكرية، نظراً إلى حالة التأهّب الأمنية.
«السلطة الفلسطينية مستعدّة لتحمّل المسؤولية الكاملة في غزة شرط أن يكون ذلك جنباً إلى جنب مع الضفة الغربية، وليس كمقاول لحساب إسرائيل»


ومع مرور أكثر من شهرين على بدء العدوان، سلّط الإعلام العبري الضوء على الأحداث في الضفة الغربية، التي قال إن «حماس» تسعى إلى إشعال الأوضاع فيها، مشيراً إلى أن رؤية إسرائيل هي أن تقوم السلطة الفلسطينية بإكمال المهمّة، وأن تعمل على إظهار سيطرتها وحُكمها هناك. وبحسب «القناة 12» العبرية، فإن القيادة الفلسطينية في رام الله، «بين المطرقة والسندان»، كونها تمتنع إلى الآن عن الإدلاء ببيان علني يدين هجوم السابع من أكتوبر، ومن ناحية أخرى، تشعر بالهزيمة أمام صورة النصر التي تحاول «حماس» خلْقها. ولفتت القناة إلى أن المخيمات في الضفة تحوّلت إلى «قنابل موقوتة»، مشيرةً إلى أن الجيش يراقب ما إذا كانت السلطة ستشدّد من رقابتها وعملها في المخيمات لإعادتها إلى الوضع الهادئ، على غرار ما قامت به في نابلس مع مجموعة «عرين الأسود». وأضافت: «كل يوم ترد تقارير عن حوادث عنف ينفّذها المستوطنون ضدّ الفلسطينيين في الضفة، الأمر الذي قد يؤدي إلى تصعيد الوضع على الأرض». وأوردت أيضاً أنه منذ بداية الحرب، نفّذت سلطات الاحتلال حوالى 30 عملية لتدمير «البنى التحتية الرئيسية للخلايا المسلّحة في مخيمات اللاجئين الرئيسية - جنين، نور شمس في منطقة طولكرم، وبلاطة في منطقة نابلس - ثلثها (عشر عمليات) جرت في مخيم جنين»، كما تم تنفيذ عشرات العمليات لإحباط البنية التحتية للخلايا المسلّحة في المخيمات التي تشكّل تهديداً ثانوياً، وهي عقبة جبر في منطقة أريحا، والفارعة في طوباس، والدهيشة في بيت لحم.
وفي الوقت الذي تتّخذ فيه السلطة الفلسطينية موقف المتفرّج إزاء الاستباحة الكاملة للضفة ومدنها وقراها، وعمليات القتل المتصاعدة فيها على أيدي قوات الاحتلال، فإنها تنشغل حالياً بما يُتداول في الصالونات السياسية ودوائر صنع القرار من مخطّطات لليوم التالي من الحرب في غزة؛ إذ تبلور الإدارة الأميركية رؤية لإدارة القطاع، تعتمد على السلطة، لكن من دون رئيسها محمود عباس، وفق ما نقلت صحيفة «يديعوت أحرونوت» عن شخصيات أميركية رفيعة، وهو ما يفسّر نوعاً ما مفهوم القيادة المتجدّدة للسلطة الفلسطينية. وبات هذا الملفّ مدار حديث متزايد من قِبَل المسؤولين في السلطة وإسرائيل، إذ نقلت وكالة «بلومبرغ»، أمس، عن رئيس الوزراء، محمد إشتية، قوله إن «السلطة الفلسطينية تعمل مع مسؤولين أميركيين على خطّة لإدارة قطاع غزة بعد انتهاء الحرب، وإن النتيجة المفضّلة للصراع هي أن تصبح حركة حماس، التي تدير القطاع حالياً، شريكاً أصغر لمنظّمة التحرير، بما يساعد على تأسيس دولة مستقلّة جديدة تشمل الضفة الغربية وقطاع غزة والقدس الشرقية». وأضاف إشتية أنه «سيكون هناك مجال للمحادثات إذا كانت حماس مستعدّة للتوصّل إلى اتفاق وقبول المنهج السياسي لمنظمة التحرير»، معتبراً أن «الفلسطينيين يجب ألّا يكونوا منقسمين»، وأن «هدف إسرائيل المتمثّل في القضاء الكامل على حماس غير واقعي». ودفعت هذه التصريحات رئيس حكومة الاحتلال، بنيامين نتنياهو، إلى الردّ على إشتية عبر منصة «إكس»، بالقول: «لن يكون هناك حماس، سنقضي عليها»، مضيفاً أن «مجرّد حقيقة أن هذا هو اقتراح السلطة الفلسطينية، إنمّا يعزّزني في سياستي: السلطة ليست الحلّ».
وفي إطار مساعي السلطة للترويج لنفسها أيضاً، نقلت صحيفة «تايمز أوف إسرائيل» عن محمود الهباش، مستشار عباس، قوله إن رئيس السلطة دان حركة «حماس» في كل مكالمة واجتماع عقده مع قادة العالم منذ عملية «طوفان الأقصى»، لكنه لن يفعل ذلك علناً بينما الحرب مستمرة في غزة، مؤكداً أن «السلطة الفلسطينية مستعدّة لتحمّل المسؤولية الكاملة في غزة شرط أن يكون ذلك جنباً إلى جنب مع الضفة الغربية، وليس كمقاول لحساب إسرائيل، وهذا منوط بانسحاب إسرائيلي كامل من غزة وعودة السلطة كجزء من مبادرة دبلوماسية أوسع تهدف إلى إنشاء دولة فلسطينية مستقلّة في الضفة الغربية والقطاع». وأضاف الهباش أن «قوات الأمن التابعة للسلطة قادرة على ضبط الأوضاع في غزة تماماً مثلما تفعل حالياً في الضفة الغربية»، لكنه أقرّ بأن هناك حاجة إلى فترة انتقالية مدّتها 6 أشهر على الأقلّ، حتى تتمكّن السلطة من إتمام إعادة التأهيل قبل العودة إلى حكم غزة.