القاهرة | لم تمنع «صورية» العملية الانتخابية أياً من المرشحين الثلاثة المنافسين للرئيس عبد الفتاح السيسي من إعلان برامجهم الانتخابية، على عكس حملة السيسي التي خلت من برنامج انتخابي، واكتفت بالإشارة إلى استكمال «الرؤية» التي ينفّذها الجنرال في مصر، والتي تقوم على وعد تحقيق أهداف فضفاضة. لكن ما هي تلك الأهداف؟ وكيف يمكن محاسبة السيسي في عام 2030 على وعوده الانتخابية؟ هذه أسئلة لن تجد لها إجابات لدى القائمين على حملة الرئيس. لكن منسق الحملة، المستشار محمود فوزي، لم يمتنع، في ختام لقاء تلفزيوني، عن البكاء، متأثراً بما قال إنها «الإنجازات» التي حقّقها السيسي على أرض الواقع على مدى السنوات العشر الماضية، علماً أن فوزي الذي تحدّث طوال فترة الدعاية باعتباره وكيلاً عن الرئيس، لم يستطِع وضع جدول زمني لأي من الوعود المشار إليها. أما المؤتمرات الجماهيرية المختلفة واللقاءات التلفزيونية التي شاركت حملة السيسي فيها، فشملت أحاديث مكررة عن قدرة الأخير على «مكافحة الإرهاب» واستكمال «المشاريع الضخمة» التي بدأها، وتنفيذ مشروعات طرق وبنى تحتية وتحقيق طفرة في قطاع الكهرباء، من دون توضيح آلية الإنفاق أو كيفية التعامل مع المشكلات الهيكلية التي تواجه الاقتصاد المصري.وإذ غيّبت تلك الرؤية الأرقام القياسية للتضخم، والصادرة عن جهات الدولة الرسمية، فهي تجاهلت أيضاً تفاقم الضغوط الاقتصادية وزيادة الاقتراض وانخفاض قيمة الجنيه، والارتفاع المستمر في الأسعار بصورة غير مسبوقة في تاريخ البلاد، أدّت إلى تدهور القيمة الشرائية لدى المواطن المصري، فضلاً عن الصعوبات التي تواجه قطاعات عدة نتيجة قيود الاستيراد المفروضة حتى على مدخلات الصناعة، والتي أدت إلى توقف عمل المصانع وتقليل ورديات العمل فيها. كما كرّرت الحملة الحديث عن الإنجازات، متجاهلةً نتائج سياسات الفرد الواحد، والتي أقرّ السيسي ببعضها علناً، ومنها فشل مشروع مدينة دمياط للأثاث لعدم مراعاة تصميم المدينة الأبعاد الاجتماعية للعاملين والسكان في المحافظة المشهورة بصناعة الأثاث. كذلك، تضمنت «الإنجازات» التي عرضتها حملة السيسي، انتقادات ضمنية للمعارضة والأحزاب السياسية على مواقفها وعدم قدرتها على حشد المواطنين، في مقابل تأييد واسع للرئيس ومواقفه، علماً أن هذا مردّه إلى القيود الأمنية المفروضة على مختلف الأحزاب واتهامات التخوين التي تلاحق أصحاب الرأي المعارض، بل وحتى من حاولوا ممارسة العمل السياسي وفق الاشتراطات التي وضعها النظام.
يقوم السيسي ببيع إرث الأنظمة السابقة، اليوم، لشركات أجنبية وخليجية من أجل ضخ العملة الصعبة


والجدير ذكره، هنا، أن السيسي الساعي إلى فترة رئاسية جديدة مدتها 6 سنوات، لم يحقّق أياً من وعوده الماضية؛ فلا الأسعار انخفضت، ولا الزيادات الهزيلة التي منحها لموظفي الحكومة عوّضت فوارق التضخم الذي هبط بقيمة الأجور إلى أدنى مستوياتها عند تقويمها بالدولار، ولا استطاع إجبار القطاع الخاص على تطبيق حد أدنى للأجور يضمن أساسيات الحياة. وحتى مشروع التأمين الصحي الذي يضمن توفير علاج بأسعار معقولة لم يستطع تطبيقه، سوى في عدد محدود من المحافظات لتكلفته المرتفعة. وكان السيسي اعتمد، في سنوات حكمه العشر الماضية، على الجيش لتنفيذ المشروعات المختلفة، وللسيطرة على مقاليد السلطة، فيما لم يستطع التخلي عن هذه السياسة حتى الآن. وعلى الرغم من تعهّدات أطلقها بفتح المجال أمام القطاع الخاص ورجال الأعمال والمستثمرين سواء المصريون أو العرب للدخول بتنافسية في السوق المصرية - وإن كانت تلك الخطوة لا تُعَد ضمن الإصلاحات الجذرية المطلوبة -، إلا أن وعد إخراج الجيش من المنافسة ذهب أدراج الريح، في ظل التحايل على الأمر عبر تأسيس شركات شبه مملوكة للدولة.
بالنتيجة، يتحمل السيسي مسؤولية ما آلت إليه الأوضاع راهناً، بسبب تأخير إجراءات الإصلاح، وتنفيذ مشروعات عدة من دون دراسة جدواها، واستقدام شركات أجنبية بمبالغ تُسدّد بالدولار أنهكت الاحتياطي النقدي للبلاد، والذي باتت تشكل الودائع الخليجية نحو 80% منه. وهكذا، يقوم السيسي ببيع إرث الأنظمة السابقة، إلى جانب عدد محدود من المشروعات التي قام بإنشائها، لشركات أجنبية وخليجية من أجل ضخ العملة الصعبة، علماً أن عمليات البيع تستهدف جمع 40 مليار دولار في غضون 4 سنوات فقط ضمن برنامج «الطروحات الحكومية» الذي يشبه برنامج الخصخصة الذي نفّذه الرئيس الأسبق، حسني مبارك، في بداية الألفية لتجاوز أزمة اقتصادية خانقة. لكن هذه المرة، تبيع الحكومة حصص أغلبية أو أقلية في أكثر الشركات والجهات الرابحة مالياً، ما سيجعل البلاد تكسب على المدى القصير سيولة بالدولار وتخسر عائدات مستدامة على المدى الطويل.