رام الله | على رغم انهماكها بمجازر القتل في قطاع غزة، لم تَغفل إسرائيل عن انتهاز فرصة انشغال العالم بشلّال الدم الغزّي، ومتابعة أنواع القنابل الأميركية ومدى فاعليتها في القتل والتدمير، من أجل الاستمرار في تهويد القدس، وتعزيز البناء الاستيطاني؛ إذ وافقت سلطات الاحتلال، الأسبوع الماضي، على مخطّط لبناء مستوطنة "القناة السفلية" - تضمّ 1792 وحدة استيطانية - على أراضي بلدة صور باهر في القدس الشرقية، وذلك للمرّة الأولى منذ عام 2012، وفق ما أعلنت منظّمة "عير عميم" اليسارية غير الحكومية. وتُعدّ هذه هي الخطّة الأولى والأكبر من نوعها في القدس الشرقية، التي تجري الموافقة عليها، منذ إقامة مستوطنة "جفعات هماتوس" قبل 11 عاماً، فيما اتّهمت المنظّمة المذكورة، سلطات الاحتلال، باستغلال الحرب على قطاع غزة لإنشاء المستوطنة الجديدة، محذّرةً من تداعيات ذلك على المستقبل السياسي للقدس. وبحسب المعلومات المتوفّرة، فإن المستوطنة الجديدة ستقام على حوالي 186 دونماً من الأراضي المتاخمة لحيّ أم طوبا الفلسطيني، بين مستوطنتَي "هار حوما" الحالية ومستوطنة "جفعات هماتوس" جنوب مدينة القدس الشرقية. ومن شأن "القناة السفلية" أن تعمّق، حال إقامتها، عزل القدس الشرقية عن جنوب الضفة الغربية، كونها ستمتدّ على طول الحدود الجنوبية للأولى، ما يجعل إقامة الدولة الفلسطينية وتواصلها جغرافيّاً أكثر استحالة.وجاء القرار المذكور على رغم تعهّد إسرائيل بوقف الأنشطة الاستيطانية، خلال الاجتماعَين اللذين عُقدا في العقبة الأردنية، في 26 شباط الماضي، وفي شرم الشيخ المصرية في 19 آذار الماضي، لكنّها، مع ذلك، واصلت أنشطتها الاستيطانية، العام الجاري، بمستوى هو الأعلى خلال السنوات العشر الأخيرة. وفي هذا الإطار، يقول مدير الخرائط في "جمعية الدراسات العربية"، خليل التفكجي، في حديث إلى "الأخبار"، إن مستوطنة "القناة السفلية" تُعدّ من أكبر المستوطنات "ذات الأهداف الاستراتيجية الواضحة"، إذ تهدف إسرائيل من ورائها إلى إنهاء الخطّ الأخضر بشكل نهائي، كون المستوطنة ستقام عليه بشكل مباشر، وهي تندرج ضمن مشروع "النجوم السبع" الذي اقترحه وزير الإسكان الإسرائيلي الأسبق، أرييل شارون، عام 1990، لإزالة الخطّ بشكل نهائي، والرجوع إلى ما قبل الرابع من حزيران 1967. ويضيف التفكجي أن المستوطنة "ستعمل على خلق تواصل جغرافي بين مستوطنة جبل أبو غنيم، وكذلك مع مستوطنات أخرى. وبالتالي، ستشكّل مع بقيّة المستوطنات سدّاً استيطانيّاً بين التجمّعات الفلسطينية في داخل بلدية القدس وخارجها".
أعداد المستوطنين في الضفة الغربية تضاعفت 7 مرات منذ توقيع «اتفاقية أوسلو» قبل نحو 30 عاماً


ولا تخفي إسرائيل نيّتها - كما رغبتها - في رفع أعداد المستوطنين داخل حدود بلدية القدس التي جرى توسيعها، حيث يشكّل المستوطنون اليوم ما نسبته 40% من مجمل عدد السكان، فيما تطمح وتسعى إلى أن تصل هذه النسبة إلى 88%، مقابل 12% للعرب. ولاسم المستوطنة، "القناة السفلية"، دلالة دينية، إذ يقول التفكجي، إن "الاسم يُنسب إلى القناة الرومانية التي كانت تنقل المياه من ينابيع قرية أرطاس الفلسطينية (برك سليمان) قرب بيت لحم، إلى البلدة القديمة في القدس، وتدّعي الرواية اليهودية أن القناة كانت تنقل المياه إلى جبل الهيكل في القرن الأول قبل الميلاد، ولا تزال هناك بقايا لها في المنطقة المنوي إقامة المستوطنة عليها". كذلك، ستكرّس المستوطنة الجديدة السياسة الإسرائيلية بعزل القرى والبلدات الفلسطينية بعضها عن بعض، وتطويقها بالمستوطنات؛ إذ بحسب التفكجي، فإن صور باهر وجارتها أم طوبا ستُطوّقان بالكامل من جهة الجنوب، بعدما طوّقت مستوطنة "تل بيوت" القرية من الشمال، أمّا من الشرق فحاصرها شارع "الطوق الأميركي"، فضلاً عن مخطّط سيخترق قلبها بـ 6 بؤر استيطانية، كما ستقطع المستوطنة التواصل الجغرافي بين قريتَي صور باهر وبيت صفافا جنوب القدس.
وكانت سلطات الاحتلال في القدس قد صادقت، منتصف أيلول الماضي، على مخطّط حيّ/ مستوطنة "كدمات صهيون" على الحدود الشرقية لبلدية القدس المحاذية لبلدة أبو ديس، والذي سيشمل بناء 400 وحدة استيطانية قرب السياج الفاصل الذي يمرّ في بلدة أبو ديس، وسيكون ضمن خطّة شاملة لربط المستوطنات التي تقام شرق "جبل المكبر" مع بعضها البعض، وذلك بهدف السيطرة على الجزء الشرقي للقدس بشكل كامل، والذي يطلّ على أحياء، منها: رأس العين ووادي قدوم وسلوان والمسجد الأقصى والبلدة القديمة. وتمثّل الحكومة اليمينية برئاسة بنيامين نتنياهو، وبمشاركة أقطاب اليمين المتطرّف (بن غفير وسموتريتش)، فرصةً ذهبية لازدهار الاستيطان؛ إذ دفعت إلى الآن، بمخطّطات لإقامة أكثر من 12 ألف وحدة استيطانية في الضفة الغربية، بحسب أرقام حركة "السلام الآن" اليسارية الإسرائيلية، كما نشرت أيضاً مناقصات لبناء 1289 وحدة استيطانية، ما يرفع إجمالي عدد الوحدات إلى أكثر من 14 ألفاً، علماً أن أكبر هذه المخطّطات كان مستوطنة "معاليه أدوميم" شرق مدينة القدس (1475 وحدة استيطانية)، و"عيلي" شمال شرق رام الله (1081 وحدة)، بالإضافة إلى "كوخاف يعقوب" وسط الضفة (627 وحدة)، و"جفعات زئيف" شمال غرب القدس (559 وحدة)، و"ألكناه" القريبة من نابلس (350 وحدة)، و"كريات أربع" في الخليل جنوب الضفة (374 وحدة)، و"كيدوميم" شمال الضفة (380 وحدة)، بالإضافة إلى التوسّع في العديد من المستوطنات الأخرى.
كذلك، شهد عدد المستوطنين في الضفة ارتفاعاً كبيراً، إذ بحسب أرقام "المكتب الوطني للدفاع عن الأرض ومقاومة الاستيطان" التابع لـ"منظمة التحرير الفلسطينية"، فإن أعداد المستوطنين في الضفة الغربية تضاعفت 7 مرات منذ توقيع "اتفاقية أوسلو" قبل نحو 30 عاماً، بينما تسيطر المستوطنات على نحو 40% من المساحة الإجمالية للضفة، حيث ناهز عدد المستوطنين 506 آلاف، و230 ألفاً يعيشون داخل القدس الشرقية.