واصلت قيادات العدو توجيه رسائل تهويلية إلى لبنان، والمطالبة بإبعاد حزب الله إلى ما وراء الليطاني. وفي مؤشّر صريح إلى حجم الضغوط التي تشكّلها جبهة الحدود مع لبنان على مؤسّسة القرار، هدّد رئيس مجلس الأمن القومي الإسرائيلي تساحي هنغبي أنه في حال لم يتنحَّ حزب الله عن الحدود «سنتحرّك عسكرياً»، وقال رئيس الأركان الإسرائيلي هرتسي هليفي إن الوضع على الحدود اللبنانية «يجب أن يتغير سريعاً من أجل استعادة الأمن»، فيما نقلت قناة «كان العبرية» عن مسؤولين إسرائيليين أن فرص التوصل إلى حل سياسي يبقي حزب الله بعيداً عن الحدود «منخفضة»، وأن إسرائيل «ستحدّد موعداً نهائياً لاستنفاد المحاولات الدبلوماسية». كما أكّد قائد المنطقة الشمالية اللواء أوري غوردين أن «حدود لبنان لن تعود إلى ما كانت عليه ونحن مستعدون لشنّ هجوم أيضاً». هذه المواقف، وما سبقها من مواقف في السياق نفسه لرئيس الحكومة بنيامين نتنياهو ووزير الحرب يؤاف غالانت، تنطوي على مروحة من الرسائل العملياتية والإستراتيجية تؤشر إلى قواعد ومعادلات لا تزال هي الحاكمة في الميدان. فقد نجح حزب الله في فرض حرب مضبوطة على قيادة العدو، تجلّت مؤشراتها في مواقف قادة العدو ونزوح عشرات آلاف المستوطنين وإشغال جيش العدو واستنزافه وتعطيل الحياة الاقتصادية.
إلا أن ما هو أكثر خطورة، ارتباط مسار عمليات المقاومة في لبنان بجبهة غزة ومعها اليمن وسائر ساحات محور المقاومة، في تكامل يهدف إلى فرض استنزاف إستراتيجي على كيان العدو. لكن ما يُميز جبهة لبنان أيضا أنها تنطوي على مخاطر تدحرج نحو سقوف أشد خطورة، إذ إن سيناريو الحرب الكبرى والتدحرج إلى حرب إقليمية، بمشاركة أميركية وأطلسية إلى جانب إسرائيل، لم يردع المقاومة. إلا أن أداء المقاومة المدروس يظهر أيضاً أنه ليس من الحكمة تجاهل مثل هذا السيناريو الأمثل لإسرائيل في مواجهة كل أطراف محور المقاومة، بدءاً من فلسطين مروراً بلبنان ووصولاً إلى إيران.
فشل العدو حتى الآن في ردع المقاومة عن المسار التصاعدي، وتحوّلت جبهة لبنان إلى مادة رئيسية على طاولة التقدير والقرار في واشنطن وتل أبيب


بعبارة أخرى، صحيح أنه لا ينبغي لسيناريو الحرب الإقليمية أن يردع المقاومة، وهو ما يتجلّى في الواقع الميداني، إلا أنها تعمل في الوقت نفسه على استثماره في سياق الأهداف التي تؤسّس لمرحلة جديدة حدَّد معالمها طوفان الأقصى. وتشير تجارب المقاومة الناجحة في لبنان وغيره إلى أنه ليس من الحكمة استخدام كل القوة التي يملكها محور المقاومة، ابتداءً، بل بشكل مدروس وهادف، ما دامت المرحلة ليست حاسمة، وعلى أن لا تكون نتائجها مُقيِّدة لها في ما يلي من مراحل واستحقاقات لاحقة.
ويعكس أكثر من معطى نقاط تفوّق قوة الردع الذي يتجلّى عبر جبهة لبنان. فأصل نجاح المقاومة في فرض جبهة استنزاف إضافية، من موقع المبادرة هو مؤشر كاشف في هذا الاتجاه. يُضاف إلى ذلك، فشل العدو حتى الآن في ردع المقاومة عن هذا المسار التصاعدي، والتزامه بالقواعد والمعادلات الدقيقة التي نجحت في حصر هذه «الحرب المضبوطة» في منطقة الحدود. ويشكّل تحوّل جبهة لبنان إلى مادة رئيسية على طاولة التقدير والقرار السياسي والأمني في واشنطن وتل أبيب، وما يرافقه من مواقف وحشود عسكرية ورسائل نارية، مؤشراً إضافياً إلى حجم التعقيد والإرباك اللذيْن اتسم بهما أداء العدو الميداني والسياسي.
ميدانياً، واصل حزب الله أمس تنفيذ سلسلة عمليات ضد مواقع وتجمّعات جنود العدو عند الحدود اللبنانية مع فلسطين المحتلة. وبلغ عدد العمليات سبعاً استهدفت 8 مواقع وتجمّعات إسرائيلية، واستُخدمت فيها مُسيّرات هجومية ضد ثكنة قيادية مستحدثة خلف مستعمرة يعراه التي تبعد عن بلدة علما الشعب 2 كلم، كما استُهدف موقع بركة ريشة بصواريخ «بركان» الثقيلة.
وواصل العدو الإسرائيلي استهداف القرى والبلدات الجنوبية. وامتدّ القصف المدفعي المعادي من جبل بلاط في خراج مروحين إلى أطراف رامية وخلة وردة في عيتا الشعب، وطاول رميش ويارون وعيترون وبليدا ومحيبيب. فيما سقطت قذيفة حارقة أطلقها العدو الإسرائيلي على منزل في حي أبو لبن في عيتا الشعب، كما استهدف القصف المدفعي منزلاً في حي الرندي في عيتا الشعب وتلة العويضة بين كفركلا والطيبة. وطاول القصف المدفعي منطقة الشقيف في خراج بلدة كفرشوبا والأحياء السكنية المحاذية لتلة العويضة في كفركلا وخراج الخريبة في خراج راشيا الفخار واللبونة ووادي حامول وخلة وردة وأطراف عيترون وعيناثا. ومرة جديدة استهدفت إسرائيل الجيش اللبناني، إذ استهدف القصف المدفعي الإسرائيلي برج مراقبة في مركز الجيش اللبناني في سهل سردا بين الحمامص والوزاني من دون وقوع إصابات.