رام الله | افتتحت قوات الاحتلال اليوم الثالث من عدوانها المتواصل على مدينة جنين ومخيمها، فجر أمس، بقصف من طائرة مسيّرة، استهدف أكثر من 9 شبان في الحي الشرقي من المدينة، حيث استشهد 3 منهم وأصيب بعضهم بجروح خطيرة، ليرتفع عدد الشهداء منذ بدء العملية العسكرية هناك إلى 12، إلى جانب 34 جريحاً، بينهم 3 في حالة حرجة. ومنذ اللحظة الأولى للاقتحام، الذي بدأ الثلاثاء الماضي وانتهى أمس، تشهد جنين التي فرض العدو حصاراً عليها، انتشاراً عسكرياً كبيراً في حاراتها وأحيائها، في ظلّ استمرار الجيش الإسرائيلي في الدفع بتعزيزات وآليات إضافية إليها على مدار الساعة.وبحسب مصادر محلية تحدثت إلى «الأخبار»، فإن الاشتباكات بين المقاومين وقوات الاحتلال «لم تستكن على مدار الأيام الثلاثة الماضية، وفي أحيان كثيرة تصبح أكثر شراسة من ذي قبل، وسط تفجير العبوات الناسفة» بقوات جيش العدو، الذي اعترف حتى الآن بإصابة 5 جنود بجروح مختلفة. كما كان ملاحظاً اتساع رقعة الاقتحامات في المحافظة، أمس، لتشمل قرى وبلدات من مثل سيلة الظهر ورمانة، فيما وضعت قوات الاحتلال مكعبات اسمنتية على مفترق يعبد - كفيرت، وسط اقتحامها أيضاً بلدات: قباطية ورمانة والزبابدة والسيلة الحارثية واليامون. كما واصل جيش العدو عمليات التجريف والتدمير، والتي طاولت معظم شوارع المدينة، وكذلك عمليات قصف المنازل، بينما سجلت أكثر من حادثة اقتحام لمساجد المدينة وإقامة صلوات تلمودية فيها عبر مكبرات الصوت، وهي الخطوة التي أشاد بها وزير «الأمن القومي» في حكومة الاحتلال، إيتمار بن غفير.
أيضاً، بدا لافتاً، في خلال اليوم الثالث من العدوان على جنين، اتباع قوات الاحتلال الأساليب الفاشية نفسها التي تتبعها في قطاع غزة، حيث اعتقل جنود العدو العشرات من المرضى ومرافقيهم والشبان أمام المستشفى الحكومي، وأجبروهم على خلع ملابسهم، وقيّدوهم ونكّلوا بهم، فيما تجاوز عدد المعتقلين 600، أفرج عن بعضهم لاحقاً. وترافق ذلك مع الحصار الخانق الذي يطوّق المدينة وأحياءها، فضلاً عن مستشفياتها ومراكزها الصحية، وسط عرقلة عمل الطواقم الطبية وسيارات الإسعاف، وهي إجراءات بدأت تداعياتها تَظهر على المواطنين، في ظل عدم تمكن هؤلاء من الحصول على أي خدمات طبية، وعجزهم عن تأمين احتياجات أطفالهم من حليب وغيره.
ويُعد هذا الاقتحام الأوسع والأشرس منذ اجتياح عام 2002 (عملية السور الواقي)، لما خلّفه من دمار كبير في الممتلكات والبنية التحتية. وفي هذا الإطار، يقول رئيس بلدية جنين، نضال عبيدي، في حديث إلى «الأخبار»، إن جنين «المحاصرة منذ ثلاثة أيام، شهدت حملة اغتيالات واعتقالات وتدمير للمنازل بالطائرات المسيّرة والصواريخ المحمولة كتفاً، والتي تجاوز عددها 40 منزلاً وفق المعطيات الأولية، بالإضافة إلى تدمير هائل في البنية التحتية، في ظل لجوء قوات الاحتلال إلى تجريف كل ما يظهر أمامها، وتحديداً شبكات المياه والكهرباء والصرف الصحي». ويلفت عبيدي إلى أن التجريف «طاول معظم شوارع المدينة، ومن بينها الشارع الرئيسيّ المعروف باسم شارع حيفا، والذي دُمّر كلياً». ويضيف أن «المدينة تحولت إلى مدينة أشباح. كل مرافقها ومحالّها التجارية مغلقة، وكذلك الصيدليات، ما فاقم من احتياجات الناس، في ظل حاجتهم إلى الحليب والأدوية والخبز للأطفال وكبار السن». ويوضح عبيدي أن «الكثير من الشهداء من المدنيين، وقد جرى قنصهم واستهدافهم بصورة متعمدة، بالإضافة إلى اعتقال قوات الاحتلال أكثر من 600 شخص مدني، بعد عدم تمكّنها من اعتقال أي من "المطلوبين"»، مشيراً إلى أن «جنود القناصة منتشرون على سطوح البنايات، فيما تُرابط الدبابات على مداخل المستشفيات، وتمنع أي حركة في محيطها، وتطلق النار عليها، على غرار ما حصل مع امرأة حامل مُنعت من دخول المستشفى، بالإضافة إلى استشهاد الطفل أحمد سمار، الذي منع الاحتلال مركبة الإسعاف من إيصاله إلى المستشفى واضطرّ والده للسير به سيراً على الأقدام وصولاً إلى هناك».
وصفت «الأونروا» العام الجاري بـ«الأكثر دموية» في الضفة، منذ عام 2005


وحول الوضع الصحي في المدينة، يقول عبيدي إن «قوات الاحتلال موجودة أمام المستشفيات منذ لحظة الاقتحام الأولى، ومركبات الإسعاف تعمل في ظروف صعبة ومزعجة وخطيرة، وخاصة أن الكثير من المواطنين بحاجة إلى أدوية أو إلى غسل كلى، أو أنهم أطفال بحاجة إلى زيارة المستشفيات، ولا يستطيعون الحصول على أيٍّ من احتياجاتهم». ويضيف أن «جنين الآن خراب ودمار، ومدينة أشباح، ومنكوبة بشكل كبير، والدمار والخراب الذي أصابها يفوق قدرات البلدية والمدينة»، لافتاً إلى أنه «منذ بداية الاجتياح الأخير لم تتمكّن البلدية من إحصاء الخسائر»، مقدّراً هذه الأخيرة «بما لا يقل عن 36 مليون دولار». كما يشير إلى أنه «في كل اقتحام واجتياح نصلح شبكات المياه والكهرباء ويتم تخريبها، عدا عن المياه التي تذهب هدراً، وشبكات الصرف الصحي التي تأخذ وقتاً وجهداً في إصلاحها، وتكلفة مادية كبيرة». وإذ يستدرك بأن «الأضرار كبيرة جداً وتفوق إمكاناتنا»، فهو يوضح أن المنازل التي تضرّرت «لا تقل عن 40 منزلاً، ما بين هدم كامل أو هدم جزئي أو حرق كامل»، يضاف إليها «عدد المركبات الكبير جداً التي جرى تدميرها».
وفي السياق نفسه، قالت وزارة الصحة، في بيان صحافي، إن «الوضع الصحي في مستشفيات محافظة جنين صعب للغاية»، إذ «تتعرض المستشفيات لهجمة شرسة من قبل قوات الاحتلال التي تحاصرها وتعرقل وصول الجرحى إليها وتقوم بتفتيش واعتقال كوادر عاملة فيها، كما تعتدي قوات الاحتلال على سيارات الإسعاف وتطلق النار عليها وتقوم بتفتيشها وعرقلة حركتها». من جهتها، أكدت منظمة «أطباء بلا حدود»، في بيان صحافي، أمس، أن «الناس يموتون في جنين لأنهم لا يستطيعون الوصول إلى المستشفيات، فهناك عملية عسكرية إسرائيلية جديدة مستمرة منذ يومين»، مشيرة إلى حادثة الطفل سمار، بالإضافة إلى قيام قوات الاحتلال «بإطلاق قنابل الغاز المسيّل للدموع على المستشفى رداً على رمي الأطفال الحجارة على العربات المدرعة». وأضافت: «يتم الآن علاج أشخاص من استنشاق الغاز المسيّل للدموع، بينهم عامل طبي. مرة أخرى، يضطرّ الطاقم الطبي إلى علاج أفراد منه»، لافتةً إلى «إخراج مريضة من المستشفى وحاولت سيارة إسعاف أخذها إلى البيت، لكن أطلقت النار على السيارة، وأعيد إدخال المريضة نفسها مصابة بطلق ناري، وهي تخضع الآن لعملية جراحية». وتابعت: «الهجمات على المستشفيات وسيارات الإسعاف تقتل. واعتراض سيارات الإسعاف يقتل. يجب أن يتوقف كلّ هذا».
ومع مرور أكثر من شهرين على اندلاع الحرب الإسرائيلية على القطاع، وتصاعد حدة المداهمات والاعتقالات التي تنفذها قوات الاحتلال في الضفة الغربية، وصفت «وكالة غوث وتشغيل اللاجئين» (الأونروا)، عام 2023، بأنه «الأكثر دموية» في الضفة، بالمقارنة مع الأعوام التي سبقت، وتحديداً منذ بدء «الأمم المتحدة» في تسجيل وتوثيق عدد ضحايا ممارسات جيش الاحتلال ومستوطنيه هناك في عام 2005. واستند تقرير «الأونروا» إلى عدد حالات استشهاد الفلسطينيين في الضفة، إذ استشهد 271 على يد القوات الإسرائيلية، بينهم 69 طفلاً، بالإضافة إلى 8 فلسطينيين استشهدوا على يد المستوطنين الإسرائيليين. كما استشهد فلسطينيان اثنان آخران، لم يُعرف ما إذا المسؤول عن مقتلهما من الجيش أو المستوطنين، وفقاً للتقرير. وبالنتيجة، بات واضحاً أن كل ما يقوم به الاحتلال في جنين هو سياسة انتقام من المدنيين والبيئة المجتمعية والأهالي، كعقاب لهم على احتضانهم المقاومة، التي بدأ بتنفيذ العمليات العسكرية لملاحقة عناصرها، منذ عامين، من دون أن ينجح في ذلك.