القاهرة | هناك سرّ ما في معبر رفح الذي يكاد يكون المدخل الوحيد لقطاع غزة والذي تتحكم فيه مصر وإسرائيل. ويا ليته قادر على الكلام ليُخبرنا عن المسؤول عن الخروج والدخول! تصرّ المحروسة على القول إنّ المعبر مفتوح من جانبها ولم يُغلق منذ بداية حرب الإبادة الإسرائيلية في تشرين الأوّل (أكتوبر) الماضي، لكن المرور منه يتطلب موافقة إسرائيلية للوصول إلى الجانب الآخر، وبالتالي ليس بإمكان مصر توصيل المساعدات الكافية أو إدخال الصحافيين الأجانب طالما أنّ الاحتلال لا يرغب في ذلك. في المقابل، يتهم الإسرائيليون مصر دائماً بأنّها تغلق المعبر وتمنع الحركة عبره. وعلى الرغم من أنّ وزير الخارجية المصري سامح شكري والرئيس عبد الفتاح السيسي أكدا مراراً أنّ المعبر مفتوح وأنّ التعنّت الإسرائيلي هو السبب في بطء دخول المساعدات وغيرها، إلا أنّ تحميل العدو الدائم للمسؤولية لمصر يُعدّ سابقة تجعل تصديق أيّاً من الجانبين صعباً بعد مرور أكثر من 70 يوماً على العدوان الهمجي على القطاع الذي يعيش مأساة إنسانية تتفاقم على مدار الساعة.
(محمد نهاد علم الدين)

في هذا السياق، جاء تقرير «مراسلون بلا حدود» ليُحرج الحكومة المصرية، إذ قالت المنظمة إنّ مصر ترفض منح الصحافيين الأجانب تصاريح دخول إلى غزة بذريعة «ضرورة الحصول على موافقات من إسرائيل». واستندت «مراسلون بلا حدود» في اتهامها لمصر إلى شهادات إعلاميين موجودين في القاهرة حالياً أكدوا أنّ مصر طلبت منهم التواصل مع الجانب الإسرائيلي لأخذ موافقته على الدخول إلى غزة. غير أنّ المتحدثة إلى الصحافة الإسرائيلية اعتبرت أنّ الحصول على تصريح دخول لمعبر لا يقع تحت السيطرة الإسرائيلية يعطيها انطباعاً بأنّ ما تقوله المحروسة «مجرّد ذريعة لدفع الصحافيين إلى الدوران في حلقات مفرغة». وأمام هذين الموقفين، يتوه الخبر اليقين!
ولأنّ غزة بحاجة إلى كل كلمة يمكن أن تُكتب عنها وسط حرب إبادة وتطهير عرقي وتهجير غير مسبوقة، ولأنّ العدو يعمل على نسف كلّ مقوّمات العيش في القطاع حتى بعد انتهاء العدوان، رأى رئيس مكتب التحقيقات في «مراسلون بلا حدود» أنّ إسرائيل ومصر تتقاذفان المسؤولية عن منع المرور من معبر رفح لأنّه لدى «الحكومتين مصالح مشتركة في منع التغطية الإعلامية لما يحدث».
لا مجال للاختلاف حول ضرورة نقل الصورة من قلب غزّة، وخصوصاً عبر الإعلام الأجنبي. ما زلنا نذكر كيف حصد ضحايا حتى القنبلة الذرية في هيروشيما تعاطفاً شعبياً أميركياً وحظي بعضهم بفرص علاج في الولايات المتحدة، بعدما دخلت وسائل الإعلام إلى المدينة اليابانية التي نكبتها أميركا. صحيح أنّ الأخيرة لم تُحاسب على جريمتها أو تعتذر عنها على الأقلّ، غير أنّه لا يمكن إنكار الدور البارز الذي لعبته الميديا في تسليط الضوء على بشاعة ومدى وحشية ما اقترفته. وفي وقت تعمد فيه آلة الحرب الإسرائيلية إلى كمّ كلّ الأفواه التي تنقل صورتها القذرة إلى العالم، وفيما أقفل عدّاد الشهداء الإعلاميين في القطاع حتى كتابة هذه السطور على 92، تأتي أهمية وجود المزيد من المنابر على الأرض في فلسطين، ولا سيّما أنّ الغالبية العظمى من الصحافيين الأجانب بلدانهم متواطئة مع إسرائيل في فظائعها المتواصلة منذ السابع من تشرين الأوّل (أكتوبر) الماضي. ويأتي ذلك وسط حملات بروباغندا لتضليل الرأي العام العالمي أثبتت فشلها مراراً.
طلب 67 مراسلاً أجنبياً دخول معبر رفح المصري الذي بُني في أعقاب اتفاقية السلام المصرية الإسرائيلية في عام 1979، في رسالة إلى المتحدث باسم الحكومة المصرية ومدير «المركز الصحافي للإعلام الأجنبي»، لكنّ أيّاً منهم لم يتلقَّ ردّاً حتى كتابة هذه السطور، فيما لا أحد يعرف السبب.
تلقّى المصريون 67 طلب دخول من مراسلين أجانب


رئيس «الهيئة العامة للاستعلامات» (الجهة الرسمية المنوط بها الموافقة على إعطاء تصاريح عمل للصحافيين الأجانب في مصر)، ضياء رشوان، قال في نهاية تشرين الأوّل الماضي إنّ بلاده «تخشى على حياة الصحافيين على الجانب الآخر من المعبر» لذا تمنع دخولهم إلى القطاع. الحديث العائد إلى نهاية تشرين الأوّل الماضي، ما زال قائماً حتى الآن فيما يمثّل اعترافاً مصرياً رسمياً بمنع دخول الإعلاميين.
على خطٍ موازٍ، خرجت في الأيام الماضية أحاديث كثيرة حول الموضوع على لسان ضياء رشوان، المقرّب من الحكومة. العلاقة الوثيقة بينه وبين الجهات الرسمية تعود إلى عوامل عدّة، إذ أدار أخيراً الحوار الوطني مع فئات كثيرة من المجتمع المصري، كما سمحت له رئاسة الجمهورية تسجيل سابقة والجمع بين منصبَي نقيب الصحافيين المصريين (انتخابات) ورئيس «الهيئة العامة للاستعلامات» (تعيين) منذ عام 2012 وحتى انتهاء فترته كنقيب وانتخاب خالد البلشي خلفاً له.
ورغم أنّ موقع «الهيئة العامة للاستعلامات» الإلكتروني يُشير إلى أنّ مهمّة رشوان هي «تقديم التسهيلات الإعلامية الممكنة للصحافيين والمراسلين الأجانب المقيمين والزائرين في مصر، بكون الهيئة الجهة الإعلامية المصرية الرسمية المشرفة على عمل المراسلين الأجانب، وتُسهم في إنجاح رسالتهم الإعلامية، بما يحقّق مردوداً إعلامياً إيجابياً»، لكن الرجل يعمل على التأكيد الدائم أنّ الهيئة «ستواصل الاستجابة لطلبات المراسلين الذين يرغبون في الحصول على المزيد من المعلومات عن الجهود المصرية». كما أنّه يقول دائماً إنّه يساعد في وصول الصحافيين الأجانب إلى الجانب المصري من معبر رفح، أي إنّ المعلومات عن جهود مصر متاحة، وإذا كان الصحافي الأجنبي يرغب في زيارة المعبر فقط من الجانب المصري فالهيئة تنظّم ما يشبه الرحلات إلى هناك، لينقل الإعلاميون حول العالم «جهود مصر» الرامية إلى «إنقاذ غزة». إلا أنّه لا القاهرة ولا ضياء يعتبران أنّ دخول صحافي ما إلى القطاع يوثّق بكاميرته أو صورته جرائم الحرب الإسرائيلية مسألة توازي «الجهود المصرية» التي يُرحّب بالحديث عنها ليل نهار. وفي هذه الحالة، يكون الصحافي مرحّباً به لزيارة المعبر في رحلة سياحية دأبت المحروسة أخيراً على تنظيم مثيلات لها للإعلاميين المصريين.