غزة | كذّب الواقع في شمال قطاع غزة، المثل الشعبي الدارج: «ما حدا بيموت من الجوع». إذ بدأت المجاعة بالفعل تفترس عشرات الآلاف من سكان تلك المنطقة التي لم يصلها خلال أسبوع وقف إطلاق النار سوى النزر البسيط من شاحنات المساعدات. وحتى هذا القدْر البسيط لم يعرف طريقه إلى مستحِقّيه بفعل غياب الأمن وانتشار السرقات وفوضى التوزيع. اليوم، وبعد نحو أسبوعين من بدء القتال عقب انتهاء الهدنة الإنسانية المؤقّتة، لا يتوفّر في شمال غزة ما يمكن أن يؤكل، بل يسدّ الناس خواء بطونهم بأيّ شيء متوفّر. ويأتي ذلك بعدما فُقدت المواد التموينية الأساسية من نحو: الطحين والأرز والمعكرونة والبقوليات وكل أنواع المعلبات، تماماً من الأسواق، فيما لم تتبقّ على أرفف المحالّ التجارية وعتبات الطرق، سوى بعض أنواع المكسرات التي لم يكن يشتريها الأهالي أصلاً قبل الحرب بسبب ارتفاع ثمنها، وصارت اليوم تُباع بأضعاف سعرها الأصلي، إلى جانب سكاكر الأطفال وكميات كبيرة من مشروبات النسكافيه والحليب المكثف.كيف يعيش الناس؟ حتى اللحظة يمكنك أن تلاحظ في مناطق الشمال، لجوء الناس إلى صناعة حلوى الكسترد، وهي ماء يُذاب فيه النشاء، ويُضاف إليه القليل من السكر. وإلى جانب ذلك، يُشعل الأهالي في مراكز الإيواء النار، ويطهون بعض أنواع البقوليات مثل الحمص والفول، لكن حتى هذه الأخيرة نفدت أخيراً بشكل تامّ من الأسواق. بالنسبة إلى «أبو العبد»، وهو ربّ أسرة مكونة من 7 أطفال، فإنّ «التفكير في طعام اليوم التالي هو ترف غير متاح في الوقت الحالي، إذ لا خيارات متوافرة لكي تتمّ المفاضلة بينها»؛ يقول الرجل الخمسيني، مضيفاً في حديثه إلى «الأخبار»: «نحن نعيش يوماً بيوم، أو قُل ساعة بساعة، نأكل ما توافر، علماً أن الأولاد ينامون وهم يبكون من شدة الجوع، لأن ما يأكلونه خلال النهار قليل السعرات الحرارية».
أما أحمد نصر، وهو مشرف على أحد مراكز الإيواء، فيؤكد، في حديثه إلى «الأخبار»، أن «أكثر من 10 آلاف نازح في مدرسة حليمة السعدية، يعانون من الجوع الشديد، وتفشّت بينهم أمراض فقر الدم الناتجة من سوء التغذية»، مضيفاً أن «من يموت اليوم بسبب أيّ مرض عارض، فهو يموت في الحقيقة من سوء التغذية وانعدام النظافة العامة». في شارع الوحدة وسط مدينة غزة، يبدو الواقع أحسن حالاً منه في جباليا، إذ تتوافر القليل من الأصناف من مثل معلبات اللحوم المصنّعة والتونة و«المشروم» والذرة، لكنّ الأسعار التي تُباع بها تفوق القدرة الشرائية للطبقة المتوسطة التي لم تتلقّ أيّ راتب منذ ثلاثة أشهر. وممّا يزيد الطين بلّة أن «الطحين والخبز مفقودان تماماً»؛ يقول أبو ذياب وهو أحد النازحين في «مستشفى الشفاء»، متابعاً في حديثه إلى «الأخبار»، أنّ «كلّ ما تراه في السوق، سيختفي بعد ساعة. ميسورو الحال، وهم قلّة، يأتون ويشترون كلّ شيء. نصيبنا من هذه البضائع هو أن نراها ونسأل عن سعرها ثم نخفض رؤوسنا».