رام الله | ما إن أعلنت الإدارة الأميركية تأييدها لتأدية سلطة رام الله دوراً في قطاع غزة في اليوم التالي من الحرب، حتى خرجت الأخيرة عن صمتها الذي لاذت به منذ بدء العدوان، لتبدي استعدادها لتأدية ذلك الدور، متماهيةً مع الطروحات الأميركية بشأن القطاع، إلى جانب استمرارها في أداء مهمتها في المحافظة على الهدوء في الضفة الغربية المحتلة، وبقائها على «التنسيق الأمني» مع إسرائيل. وفي السياق، توقّف الفلسطينيون عند تصريحات إعلامية لأمين سر اللجنة التنفيذية لـ«منظمة التحرير»، حسين الشيخ، الذي يُعد من أبرز الأسماء لخلافة الرئيس الفلسطيني، محمود عباس، خاصة لناحية انتقاداته لحركة «حماس». وقال الشيخ، في حديث إلى وكالة «رويترز»، «إنه من غير المقبول أن يعتقد البعض أن طريقة حماس ونهجها في إدارة الصراع مع إسرائيل كانا المثل الأعلى والأفضل». كما صعّد هجومه على الحركة خلال حديث على قناة «العربية» السعودية، بالقول إنه «ستتم محاسبة حركة حماس، لكن بعد وقف النار في قطاع غزة». وتأتي هذه التصريحات بعدما شنّت حكومة الاحتلال، في الأيام الأخيرة، هجوماً على السلطة الفلسطينية، قائلةً، على لسان رئيسها بنيامين نتنياهو، إن الأخيرة لن تعود إلى قطاع غزة، وإن الدولة الفلسطينية لن ترى النور، وإن الجيش الإسرائيلي مستعدّ لقتال الأجهزة الأمنية، لا بل إن وزير المالية، بتسلئيل سموتريتش، وصف السلطة بـ«النازيين».المفارقة أن الشيخ يتحدّث بالمساءلة السياسية، بينما تولّت سلطته تغييب كل المؤسسات الكفيلة بذلك؛ فـ«المجلس التشريعي» مُنحلّ بقرار من «أبو مازن»، و«منظمة التحرير» قراراتها مخطوفة على رغم التغنّي بمرجعيتها وتمثيلها ومكانتها. وفي السياق، يرى نائب رئيس «المجلس التشريعي» المنحلّ، حسن خريشة، في حديث إلى «الأخبار»، أن تصريحات «أبو تالا» تتساوق مع «الطروحات الأميركية والإسرائيلية والأوروبية عن اليوم التالي من الحرب»، معتبراً أنها «جزء من حرب نفسية بعد صمود المقاومة وانتصارها، وهدفها دغدغة مشاعر وأوهام من يؤمن أن واشنطن يمكن أن تخلق حلاً سياسياً». ويضيف أن الهدف من توقيت هذه التصريحات «قد يكون تقديم أوراق اعتماد مسبقة للأميركي والإسرائيلي»، وهو ما يصفه بـ«المرفوض».
نائب رئيس «المجلس التشريعي» المنحلّ، لـ«الأخبار»: يبدو أن الهدف من توقيت تصريحات «أبو تالا» هو «تقديم أوراق اعتماد مسبقة للأميركي والإسرائيلي»


كما يرى أن «الاعتقاد بأن الأميركيين يمكن أن يمنحونا شيئاً هو وهم كبير، فهم شركاء في الحرب والعدوان على فلسطين منذ اليوم الأول»، معتبراً أن «استقبال هؤلاء وخوض النقاشات معهم حول كل المخططات السياسية عبث، إذ لا يوجد عاقل فلسطيني يثق بالأميركي، الذي هو عضو في مجلس الحرب الإسرائيلي». ويتابع أن «ما تقوم به واشنطن لا يتعدّى كونه ذراً للرماد في العيون»، في وقت ترفض فيه حكومة الاحتلال الاعتراف بالسلطة الفلسطينية كشريك سياسي. ويلفت خريشة إلى «أننا الآن في مرحلة حرب ويجب أن نكون معاً في خندق واحد، ولكن أن نجرّم المقاومة ونتحدّث عن أخطائها ومحاسبتها أمر غير مقبول»، مضيفاً أنه «لا أحد يستطيع أن يحاسب المقاومة التي حقّقت انتصاراً كبيراً في السابع من أكتوبر، وما زال هذا النصر موجوداً حتى اللحظة». وباستغراب، يتساءل خريشة: «كيف يمكن الرهان على الأميركيين والإسرائيليين الذين عملوا على مدى كل الحكومات السابقة على عزل السلطة بشكل مباشر، إلى جانب ما يقوم به الاحتلال في الضفة من حرب إبادة تستهدف الكل الفلسطيني؟»، مؤكداً أن «الوقت الراهن ليس مناسباً للحديث عمّن يحكم هنا أو هناك»، «وإن كان الأوْلى بذلك هو من دافع عن الأرض والشعب وقاوم وانتصر في المعركة». وحول أسباب مراهنة البعض على واشنطن رغم التجربة السيئة معها، يقول خريشة إن «هؤلاء يرغبون في المحافظة على موقعهم في السلطة ونفوذهم السياسي والأمني والاقتصادي».
من جانبه، يرى الكاتب والمحلّل، خليل شاهين، في حديث إلى «الأخبار»، أن السلطة اتخذت موقف «المتفرج» طيلة شهرين من العدوان على غزة، وكأنها تنتظر نتائج الحرب لتحدّد موقفها وخطواتها، وهذا يترافق مع تدهور ثقة الفلسطينيين بها، خصوصاً في ظل إحجامها عن فعل أي شيء في مواجهة اعتداءات جيش الاحتلال والمستوطنين. وحول تصريحات الشيخ، يؤكد شاهين أنه «لا أحد يستطيع محاسبة المقاومة، فالمقاومة خلال تاريخ الشعب الفلسطيني كانت لديها أخطاء وثغرات، لكنها بقيت الوسيلة الوحيدة لتعبير الشعب الفلسطيني عن حقوقه، وقد وقعت أخطاء في مسيرتها في الأردن ولبنان وغيرهما، فهل جرت محاسبة أحد، والسؤال الأهم: من سيحاسب من؟». ويتابع شاهين أن «المقاومة ليست «حماس» فقط، فهناك «الجهاد الإسلامي» و»الجبهة الشعبية» و»الجبهة الديمقراطية» وكتائب «شهداء الأقصى» و»المجاهدون». وهناك مقاومة في الضفة أيضاً»، متسائلاً: «هل تريد منظمة التحرير التي أصبحت هيكلاً بلا معنى ولا تجتمع إلا في إطار ورشات عمل، محاسبة كل هؤلاء؟ ومن هي المؤسسات التي ستقوم بذلك؟».
في الوقت نفسه، يشدد شاهين على أهمية «المراجعة والتقييم»، والتي يراها «خطوة مطلوبة يجب إجراؤها من قبل الفلسطينيين»، مشيراً إلى أن «أمامنا 30 عاماً من اتفاقيات جرى خلالها تقسيم الأراضي الفلسطينية، وسط سطوة وتحكّم للاحتلال الذي يعبث بها، في ظل وجود تنسيق أمني وتبعية اقتصادية، وكل ذلك وسط تضاعف أعداد المستوطنين مرات عديدة، وتأجيل قضايا القدس واللاجئين والحدود والدولة»، وهو ما يرى أنه «يجب أن يخضع لمراجعة أيضاً». والواضح من سلوك السلطة، بحسب شاهين، «أن بقاءها هو الهدف وليس الوسيلة لتحقيق الهدف، وأن ما يرتبط بها من مصالح لأصحاب مواقع القوة والنفوذ السياسي والاقتصادي والأمني يجعلهم يراهنون على واشنطن». ويستلخص شاهين أن «المطلوب من السلطة الفلسطينية هو أن تصبح وكيلاً أمنياً للاحتلال الذي ينوي الاحتفاظ بشريط أمني في غزة، على أن تتم إعادة تشكيل السلطة في القطاع ونزع صلاحياتها ومنحها مهمات شرطية لحفظ الأمن الداخلي، وهذا ما ينطبق على الضفة أيضاً، بحيث تصبح السلطة بلدية كبيرة تملك قوات شرطية فقط».