بقتْله ثلاثة من أسراه، أضاف جيش العدو «مأثرة» جديدة إلى سجلّه الحافل منذ بدء حرب الإبادة المتواصلة على قطاع غزة. لكنه هذه المرّة، أَطلق النار على «مواطنيه»، الذين لم يُعرَف بعد ما إذا كانوا قد فرّوا من أَسْرهم، أو أُطلق سراحهم عمداً، بينما كانوا يصرخون بالعبرية: «النجدة»، ويرفعون أعلاماً بيضاً، وقد عرّوا الجزء الأعلى من أجسادهم رافعين أيديهم، وفق ما أثبتته التحقيقات التي أجراها الجيش مع نفسه، قبل أن يَكتشف في وقت لاحق أن الأسرى خطّوا طلب النجدة ببقايا الطعام والبهارات، على سطح بناية كانوا في داخلها، في محاولة لدفع الجيش إلى إنقاذهم.وعلى إثر الحادث الذي وصفته مختلف المستويات الإسرائيلية بـ«التراجيدي»، وتحمُّل المستويَين العسكري والأمني المسؤولية عنه، خصوصاً أنه أتى بعد «كارثة» الشجاعية، التي قَتلت فيها المقاومة تسعة من جنود العدو، بينهم قائد «الكتيبة 13» في لواء «غولاني»، اتهمت عائلات الأسرى المقتولين، الحكومة بأنها تخلّت عن أبنائها، في موازاة تصاعُد الضغط الشعبي الإسرائيلي، المعبّر عنه في تظاهرات شهدتها تل أبيب، لمطالبة مجلس الحرب باستئناف المفاوضات لإطلاق سراح أكثر من مئة أسير إسرائيلي لا يزالون محتجزين لدى فصائل المقاومة في غزة. واتّهم شقيق الأسير القتيل، ألون شمريز، إيدو، الحكومة، بالتخلّي عن أخيه، قائلاً في جنازته التي نُظمت في مستوطنة «شفاييم»، إن «الذين تخلّوا عنكَ هم الذين قتلوك بعد كل ما فعلته (لتنجو بنفسك)»، فيما قالت والدته: «تمكّنت من الصمود 70 يوماً في الجحيم. لحظة أخرى وكنت ستكون بين ذراعيّ».
الإجماع الإسرائيلي على أن الحدث عبارة عن «مأساة»، لم يقنع المحلّل السياسي لصحيفة «يديعوت أحرونوت»، ناحوم برنياع، الذي اعتبر أنه يفوق ذلك، وأنه ليس «وصمة عار» فحسب، كما وصفه زميله المراسل العسكري للصحيفة، رون بن يشاي؛ بل هو، وفق ما عبّر برنياع: «جريمة، كما أثبت التحقيق الذي أجراه الجيش في شأن الانتهاكات المتسلسلة للأوامر... ما حدث هو جريمة حرب، كما يعرّف ذلك القانون الدولي». وأضاف أن «هناك فرقاً بين الخطأ والإهمال، وما حدث في الشجاعية لم يكن مجرّد حادث... بعض الشهادات أكدت أن مطلق النار كان يراهم من عشرات الأمتار، وفي لحظة ما صرخ أحد الضباط آمراً الجنود مطلقي النار بالتوقّف، فيما نجح أحد الأسرى في الاختباء في مبنى، قبل معاودة إطلاق النار عليه بهدف القتل». كذلك، رأى برنياع أن تحمّل رئيس الأركان، هرتسي هليفي، ووزير الأمن، يوآف غالانت، المسؤولية عمّا حدث لا يكفي، «طالما لم يدن كلاهما الجريمة، وطالما أن الجيش لا يتعلّم من أخطائه ولا يتّخذ إجراءات حاسمة تجاه مطلقي النار في حوادث كهذه، فإن شيئاً لن يتغيّر»، مشيراً إلى أنه «مندهش» من أن الجيش أبعد الجنود الذين اقتحموا مسجداً في مدينة جنين واستخدموا مكبّرات الصوت فيه، للإنشاد، ولتهديد سكان المخيم، بينما لم يَقُم بإجراء مماثل بحقّ الجنود قاتلي الأسرى الثلاثة. ولفت إلى أن هناك مَن يربط بين مقتل هؤلاء ومقتل يوفال كاستيلمان بـ«نيران صديقة» خلال عملية القدس الأخيرة، فيما آخرون يربطون الحادثة باستهتار الجيش في كل ما يتّصل بحياة الأسرى في غزة، قائلاً: «لست متأكداً من وجود علاقة بين كل ذلك، لكن في جميع الأحوال، لا يمكن أن يمرّ مقتل ثلاثة إسرائيليين أبرياء في ظروف لا خلاف عليها، من دون أيّ حساب. فالأمر ليس كما قال نتنياهو: «هكذا هي الحياة». لا. ليست هكذا هي الحياة».
مَنح مجلس الحرب رئيس «الموساد»، دافيد برنياع، «الضوء الأخضر» للتباحث في صفقة أسرى جديدة


وفي ظلّ تصاعُد الغضب الشعبي جرّاء تلك الحادثة، لفتت «القناة 12» الإسرائيلية، إلى أن مجلس الحرب مَنح رئيس «الموساد»، دافيد برنياع، «الضوء الأخضر» للتباحث في صفقة أسرى جديدة، مشيرةً إلى أن الحكومة وضعت خطَّين أحمرَين يتمثّلان في إعادة مَن تبقّى من الأسيرات الإسرائيليات، واشتراط استئناف إطلاق النار بعد التوصّل إلى صفقة. وتقاطع ذلك، مع ما أفادت به «هيئة البث الإسرائيلية» من أن الحكومة الإسرائيلية تبحث في عدّة خيارات، من ضمنها إطلاق سراح أسرى فلسطينيين من ذوي المحكوميات الطويلة، أدينوا بتنفيذ عمليات أسفرت عن مقتل إسرائيليين، فيما تحدّثت تقارير عبرية مختلفة عن اجتماع رئيس «الموساد»، ورئيس الوزراء القطري، محمد بن عبد الرحمن آل الثاني، في العاصمة البولندية وارسو، أمس، «بهدف تحريك المفاوضات التي ستكون أطول وأعقد من سابقتها».
وفي هذا الإطار، نقلت وكالة «رويترز» عن مصدرَين مصريَّين أمنيَّين، قولهما إن «إسرائيل وحركة حماس، منفتحتان على تجديد وقف إطلاق النار والإفراج عن المحتجزين»، قبل أن يستدركا بالقول إنه «لا تزال هناك خلافات حول كيفية تنفيذ ذلك... مصر وقطر أصرّتا على زيادة المساعدات وفتح معبر كرم أبو سالم قبل البدء في أيّ مفاوضات». وطبقاً للمصدرَين، فإن «حماس تصرّ على وقف شامل لإطلاق النار ووقف الطيران فوق قطاع غزة كشرط رئيسيّ للقبول بالتفاوض، بالإضافة إلى تراجع الجيش الإسرائيلي لبعض الخطوط على الأرض في غزة». وبحسبهما، أبدت الحركة «موافقة على استكمال هدنة تسليم الرهائن بقائمة تحدّدها هي ولا يفرضها عليها أحد»، فيما «اضطرّت إسرائيل للموافقة على قائمة الأسرى من المدنيين التي تحدّدها حماس، ولكن الأولى طلبت جدولاً زمنياً والاطّلاع على القائمة». ولفتا إلى أن «إسرائيل ترفض تراجع قوات الجيش»، وأنه على رغم فتح معبر «كرم أبو سالم»، يتأخّر دخول المساعدات بسبب إجراءات التفتيش الإسرائيلية.
وبالعودة إلى «القناة 12»، فهي ذكرت، نقلاً عن مصدر «مطّلع» على مضمون لقاء جمع برنياع إلى آل الثاني، الجمعة الماضي، قوله إن رئيس الوزراء القطري «حثّ رئيس الموساد على المبادرة لتقديم مقترح إسرائيلي»، ما يعني أن إسرائيل قدّمت في اجتماع وارسو الخطوط العريضة للصفقة المحتملة. ومن جهتها، ذكرت مراسلة الشؤون السياسية لصحيفة «معاريف»، آنا بارسكي، في مقابلة مع «إذاعة الشمال» الإسرائيلية، أن وجود مفاوضات أو اتصالات (بين رئيس الموساد، ورئيس وزراء قطر، ورئيس السي آي إيه)، لا يعني أن ذلك «يجري في وسائل الإعلام»، في إشارة إلى أن كل ما يجري تداوله بخصوص ذلك «هدفه التأثير على الرأي العام الإسرائيلي، وليس من المؤكد أن المفاوضات ستحقّق صفقة في النهاية»، عازيةً ذلك إلى أن رئيس المكتب السياسي لحركة «حماس»، يحيى السنوار، و«بخلاف الصفقة السابقة، ليس متحمّساً لهذه الصفقة، لأنها لا تحقّق مصالحه. والسبب في تبدّل موقفه عائد إلى أنه ظنّ في المرّة الأولى أن الهدنة ستتحوّل إلى وقف دائم لإطلاق النار، وهو ما لم يحصل. ولذلك، هو ليس معنيّاً بالانخراط في صفقة ستكون نتيجتها استمرار استئناف إسرائيل للحرب كما في المرّة السابقة».