للمرة الأولى منذ بدء العدوان، يتجرّأ العدو الإسرائيلي على استهداف محيط مراسم تشييع شهداء المقاومة. لكنّ حنقه من الحشد الذي يتنادى في كل تشييع، إلى ساحة عيتا الشعب برغم الخطر المحدق، أعماه عن أن يحسب ردّ الفعل.وقبل حوالي عشر دقائق من بدء مراسم تشييع الشهيد حسن معن سرور ظهر أمس، في بلدته عيتا الشعب الملاصقة للحدود مع فلسطين المحتلة، أطلقت مُسيّرة معادية صاروخاً على سطح منزل مشرف على ساحة البلدة القديمة. واتّخذ الصاروخ مساراً معاكساً للساحة المزدحمة بالجموع وانحرف نزولاً نحو حقل مجاور حيث أشعل النيران. كما تسبب بإصابة أحد المشاركين بضغط في أذنيه من دوي الانفجار وتحطّم زجاج الحسينية والمنازل والمحالّ المجاورة.
لم تغادر المُسيّرة الساحة التي صارت تدعى بـ»ساحة الشهداء» لأنها مع سرور، أتمت التشييع السابع في الأشهر الثلاثة الماضية. الجموع أيضاً لم تنفضّ من حول النعش، رغم ما حدث. بل سارت خلفه تحت المقبرة المشرفة على مواقع الحدب والراهب وبرانيت.
حفظ العدو هذا المشهد الذي يتكرر كلما سقط شهيد في عيتا الشعب التي تذكّره بخيبته الكبرى خلال المواجهات ضده كما في عدوان 2006. تعرف الصبية الباسمة العائدة من التشييع أن الصاروخ «رسالة تحذيرية لنا لكي لا نتجمع مرة أخرى على بعد أمتار من الحدود». فقد اعتاد أهل البلدة النازحين أن يتلاقوا في تشييع الشهداء، لتفقّد منازلهم وأرزاقهم. وتصبح ساحة الحسينية موعداً للقاء الأقارب والجيران الذين فرّقهم النزوح، موقنين بأن العدو لن يجرؤ على أذية الجموع خوفاً من ثأر المقاومة.
في بيت ليف، استكمل أهل عيتا الشعب لقاءهم في تشييع الشهيد موسى مصطفى. وكما اختلطت البلدتان اجتماعياً وعسكرياً في زمن الاحتلال، التحمتا أمس بدماء شهيديها. مصطفى ورفيقه الشهيد حسن الضيقة سقطا في غارة من مُسيّرة استهدفت منزلاً بالقرب من مدرسة عيتا الشعب مساء أول من أمس. فهبّ المسعف سرور لانتشال الضيقة وصديقه المقرب مصطفى، ونقلهما إلى المستشفى. وفور عودته إلى منزله إثر إتمام مهمته بعد نحو ساعة، عاجلته طائرة حربية معادية ونسفت المنزل. والثلاثة شُيعوا أمس بين الجنوب والبقاع. «كل أهل عيتا كفوا لهون» قالت الحاجة من عيتا لقريبتها من بيت ليف. «إنما فشروا ما يخلونا نطلع»، صدحت.
ألقت مُسيّرة معادية صاروخاً قرب مكان تشييع أحد الشهداء في عيتا الشعب، فردّت المقاومة بقصف كريات شمونة


أزاحت عن حجابها الأسود شظية صغيرة طارت فوق رأسها من الصاروخ وأعطتها لابنها لحفظها. صارت تسرّ إلى مضيفاتها من بيت ليف، عن محمد، الشهيد الثالث من عائلتها. «ابن أسرة عايشين بزنودهم، لديه طفلة عمرها تسعة أشهر وأخرى عمرها سنتان ونصف سنة». قبل محمد، شيّعت الحاجة قبل أسبوع، قريبها حسن سرور، الأب لخمسة أطفال أكبرهم في العاشرة من عمره وأصغرهم طفلة لم تبلغ الأربعين يوماً. الأخير استبسل في مواجهات 2006 ولمّا يبلغ العشرين عاماً. وعندما نفدت ذخيرته، استكمل المواجهة بالحجارة.
في ساحة بيت ليف، تحلّق جمع مهيب حول نعش مصطفى. فوقه، ارتفعت على الجدار صورة ابن عمه صالح مصطفى الذي سقط قبل أسبوع في غارة على منزل في ياطر. نام طفله فوق النعش وانتحبت والدته وشقيقته عليه. وبين نشيد وصلاة، نفّذ الطيران المعادي أربع غارات على تلة الراهب بين عيتا الشعب ورامية قبالة بيت ليف.
تقول إحدى المشاركات: «حفظنا الدرس. فعلوا الشيء نفسه في التشييع السابق. يتعمّدون إخافتنا لكي يُوارى شهداؤنا على السكت. لكن فشروا». صار ذكر بيت ليف ثابتاً في نشرات العدوان اليومية، برغم أنها ليست من البلدات المتاخمة للشريط الشائك. قصف وغارات على الأطراف وبعضها في الأحياء السكنية.

المشهد الميداني
ميدانياً، شهدت الجبهة في جنوب لبنان أمس الإثنين، ارتقاءً إضافياً في سخونة المواجهات وحدّتها، مع استهداف حزب الله منصتين للقبة الحديدية شمالي مستعمرة كابري، التي تبعد 8 كيلومترات عن الحدود، في ردّ غير معلن على غارة للعدو استهدفت نقطة للمقاومة بعيدة جداً عن خطوط الجبهة.
وإصراراً على تثبيت معادلة حماية المدنيين، ردّت المقاومة على استهداف العدو لمراسم ‏التشييع في بلدة عيتا الشعب، بقصفه كريات شمونة بصلية صواريخ. هذه التطورات دفعت وسائل الإعلام العبرية إلى التساؤل عن الردع الذي تكلّم عنه جيش الاحتلال بينما يُمنع على المستوطنين التجمع في المستوطنات الحدودية، في الوقت الذي يُقيم حزب الله بحضور العشرات وعلى بُعد 200 متر من المطلة جنازة عسكرية.
وافتتحت المقاومة الإسلامية عملياتها أمس صباحاً باستهداف تجمّع لجنود وآليات العدو في محيط موقع الحمرا‎ ‎بالأسلحة المناسبة.‏ ولاحقاً، استهدف المقاومون منصتين للقبة الحديدية في شمال مستعمرة كابري بسلاح المدفعية وحقّقوا فيهما إصابات دقيقة. وتقع مستعمرة «كابري» شرقي مستعمرة «نهاريا» في القطاع الساحلي الغربي، وتبعد عن أقرب نقطة عن الحدود اللبنانية مع فلسطين المحتلة 8 كلم، ما يمكن فهمه على أنه ارتقاء جديد من المقاومة في الأهداف ومدياتها، بعد إمعان العدو في توسيع رقعة اعتداءاته بما يتجاوز المنطقة الحدودية.
وتكريساً لمعادلة حماية المدنيين، أطلقت المقاومة ‏الإسلامية صلية صواريخ على قرية الخالصة المحتلة (المسماة مستعمرة كريات ‏شمونة) رداً على استهداف العدو لمراسم ‏التشييع في بلدة عيتا الشعب، مؤكدة أن أيّ مسٍّ بالمدنيين سيُقابل بالمثل.‏
وعلى الأثر، تحدثت وسائل إعلام إسرائيلية عن اندلاع حريق داخل مبنى في كريات شمونة عقب إصابته بصاروخ أُطلق من لبنان. وانتقد رئيس بلدية مستوطنة كريات شمونة، أفيحاي شتيرن، تعامل حكومة الاحتلال مع الوضع المتأزّم على الحدود مع لبنان، مؤكداً وقوع إصابات بشكلٍ يومي بسبب ضربات حزب الله. وفي مقابلة مع «القناة 13» الإسرائيلية، قال شتيرن: «نحن نشعر بأنّ سياسة الاحتواء المدمّرة التي شاهدناها قبل 7 تشرين الأول مستمرة أيضاً اليوم». وأضاف: «نتلقّى يومياً نيراناً وإصابات، وأمس قُتل جندي من قوات الاحتياط، وهكذا يومياً نحصي الجرحى والقتلى». واعتبر أنّ «الطريقة الوحيدة لإزالة التهديد عن الحدود الشمالية هي القضاء على حزب الله، وليس اتفاقاً ولا حلاً سياسياً كما نسمع». وقال: «شاهدت مسؤولاً كبيراً في حزب الله يقول إنهم لم يستخدموا بعد كل السلاح الذي لديهم نحو الجليل، إذاً ماذا ننتظر...؟».