بعدما كثُر الحديث، في الآونة الأخيرة، عن مساعٍ أميركية لحشد الحلفاء للانخراط في «قوة متعدّدة الجنسيات»، هدفها، طبقاً لواشنطن، «حماية التجارة في البحر الأحمر»، في أعقاب تكثيف قوات صنعاء هجماتها على السفن الإسرائيلية وتلك المتّجهة إلى إسرائيل من هناك، دعماً للمقاومة في غزة، أعلن وزير الدفاع الأميركي، لويد أوستن، الإثنين، تشكيل هذه القوة، على أن تشمل بريطانيا والبحرين وكندا وفرنسا وإيطاليا وهولندا والنرويج وسيشيل وإسبانيا، مشيراً إلى أنّها ستبدأ بتنفيذ دوريات مشتركة في جنوب البحر الأحمر وخليج عدن. على أنّ لائحة الدول المشاركة، إن دلّت على شيء، فعلى «العجز» الأميركي المتزايد عن التأثير على عدد ليس بقليل من الدول حول العالم، بما في ذلك في منطقة الخليج، ما جعلها تلجأ حتى إلى الصين، بحثاً عن المساعدة «العسكرية والديبلوماسية» على حدّ سواء، وهي خطوة لا تزال تُقابَل بما هو أشبه بالرفض من طرف بكين، ولا سيّما أنّ الاستجابة لها تقتضي، بشكل من الأشكال، الانخراط في «التحرّكات الأميركية العسكرية» في المنطقة.كان العديد من المراقبين قد تحدثوا، ابتداءً، عن أنّ الولايات المتحدة ضمنت تقريباً مشاركة دول عربية على غرار الأردن والإمارات والسعودية وقطر وعمان ومصر، في تشكيل القوة المتعدّدة الجنسيات، قبل أن تتغيّب أسماء هذه الدول عن لائحة أوستن الأخيرة. أمّا في ما يتعلق بالصين، فقد تصدّت الأخيرة، على ما يبدو، منذ اللحظة الأولى، لمحاولات واشنطن استمالتها إلى الانضمام إلى «قوة البحر الأحمر»، فيما سارع عدد من الشركات الصينية إلى اتخاذ خطوات لتجنّب أيّ مواجهات في المنطقة. ومن بين آخر هذه الشركات، «مجموعة الصين للنقل البحري للمحيطات» (COSCO)، التي أعلنت وقف رحلاتها إلى البحر الأحمر، إضافة إلى شركة «أورينت أوفرسيز» (OOCL) لخطوط الحاويات الصينية (مقرّها هونغ كونغ)، والتي أعلنت، في بيان، وقف قبول البضائع من وإلى إسرائيل «بأثر فوري وحتى إشعار آخر»، من دون تحديد الموعد النهائي لاستئناف التبادلات. كما أعلنت الشركة التايوانية «إيفرغرين»، الإثنين، التوقف مؤقتاً عن قبول نقل البضائع الإسرائيلية، إنّما من دون الإعلان عن وقف رحلاتها عبر البحر الأحمر. وعلى ضوء ما تقدّم، يعتقد بعض المراقبين أنّ الشركات الصينية التي أوقفت تبادلاتها مع إسرائيل، من دون إيقاف رحلاتها في البحر الأحمر بشكل كامل، على عكس الشركات العالمية الكبرى الأخرى، التي تسعى على الأرجح إلى الضغط على الأسواق الدولية لتحفيز تحرّك ضدّ الهجمات اليمنية، تسعى إلى «التعويض» عن الفراغ في المنطقة، «وزيادة عمليات التبادل مع الأسواق في الدول الأوروبية»، التي تُعدّ الصين، منذ سنوات، الشريك التجاري الأكبر لها.
التحوّلات السياسية عقّدت مهمّة الولايات المتحدة في الحصول على مساعدة صينية في قضية البحر الأحمر


وفي أعقاب ما يبدو أنّه «تمنّع» صيني عن الانخراط في أيّ نشاط عسكري في المنطقة، تحدّث عدد من وسائل الإعلام عن أنّ واشنطن بدأت تسعى للحصول على مساعدة «ديبلوماسية» من بكين، عبر حثّها على تسليط ضغط على طهران، حتى تضغط الأخيرة بدورها على قوات صنعاء، للحدّ من هجماتها. لكن يَظهر أن التحوّلات السياسية التي شهدها الشرق الأوسط في المدة المنصرمة، ولا سيّما في أعقاب الاتفاق السعودي - الإيراني، الذي أُبرم، برعاية صينية، في آذار الماضي، أسهمت إلى حدّ كبير في تعقيد مهمّة الولايات المتحدة. وفي هذا الإطار، أشارت وكالة «بلومبرغ»، في مقال تحت عنوان «الانقسامات في الخليج تُعيق الجهود الأميركية لوقف هجمات الحوثيّين»، إلى «الخلافات العالقة» بين عدد من شركاء واشنطن الخليجيين، وتحديداً الإمارات والسعودية، اللتين تتبنّيان آراء مختلفة حول «كيفية التعامل مع الحوثيّين»؛ ففي حين تروّج أبو ظبي لضرورة الردّ عسكرياً، وإعادة تصنيف «أنصار الله» على أنّها «جماعة إرهابية»، تحرص الرياض، في المقابل، على الإيحاء بأن الانخراط «ديبلوماسياً» مع طهران يمكن أن يردع قوات صنعاء عن شنّ المزيد من الهجمات، ويمنع توسّع الحرب، وذلك حرصاً منها على عدم الإضرار بالعلاقات مع الجانب الإيراني، أو العودة إلى مرحلة ما قبل الهدنة اليمنية.
وفي السياق، كان لافتاً تزامن لقاء وزير الخارجية السعودي، فيصل بن فرحان، الأسبوع الماضي، بنظيره الإيراني، حسين أمير عبد اللهيان، لمناقشة الحاجة إلى وقف إطلاق النار في غزة، مع زيارة نائب فيصل بن فرحان إلى بكين، لإعادة تأكيد «التزام الرياض بالتقارب» مع طهران، والذي توسّطت فيه الصين منذ نحو تسعة أشهر، علماً أن المسؤول السعودي كان في بكين للمشاركة في الاجتماع الأول لـ«اللجنة الثلاثية المشتركة السعودية - الصينية - الإيرانية»، فيما تقرّر عقد الاجتماع الثاني لها في حزيران المقبل في السعودية، في مؤشّر إلى «التزام كلّ من طهران وواشنطن الكامل» بتطبيق «اتفاق بكين».