في واحدة من أكبر الرشقات التي تضرب منطقة تل أبيب الكبرى منذ بداية العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة، أعلنت «كتائب القسّام» قصف تل أبيب ومدن الوسط ومستوطناته بالصواريخ، رداً على المجازر الإسرائيلية بحق المدنيين الفلسطينيين. وأثارت هذه الرشقة، إضافة إلى تطورات الميدان في غزة، تساؤلات وسط المعلّقين الإسرائيليين حول حقيقة إنجازات جيش الاحتلال بعد مرور 74 يوماً، حيث لا تزال المواجهات البرية على أشدّها، فيما يتواصل سقوط الصواريخ على قلب الكيان، ويهرع آلاف الإسرائيليين إلى الملاجئ، حتى في تل أبيب.وينشغل الجيش الإسرائيلي، هذه الأيام، بالإعلان عن مناطق أسقطها تماماً في شمال غزة، وآخرها بيت حانون شمال شرق القطاع، والتي أعلن، قبل يومين، استكمال سيطرته عليها، قبل أن تنشر «القسّام» مقطع فيديو يُظهر استهداف جيب عسكري في المنطقة المذكورة بصاروخ «كورنيت»، ومقتل وجرح من فيه. أيضاً، وردت معلومات صحافية، أمس، عن اشتباكات اندلعت في بيت حانون. وفي السياق نفسه، ادّعى قائد «الفرقة 162» في الجيش الإسرائيلي، العميد إيتسيك كوهين، «تفكيك اللواء الشمالي لمدينة غزة (في القسام)»، مضيفاً أنه «في إطار عمليات القوات في مخيم جباليا للاجئين، استسلم حوالي 500 مشتبه بهم في أنشطة إرهابية، بعضهم ينتمي إلى حركتَي حماس والجهاد الإسلامي». ولكن، تُظهر التطورات الميدانية استمرار الاشتباك في مدينة جباليا ومخيمها، على رغم الهجوم الإسرائيلي المستمرّ عليها من عدة محاور واتجاهات. ومن الواضح، إزاء ذلك، استعجال العدو وإصراره على تحقيق سيطرة، ولو شكلية، على مناطق شمال غزة، وخصوصاً جباليا، التي تُعدّ مركز ثقل للمقاومة. كذلك، يحاول الاحتلال الوصول إلى ساحة فلسطين في قلب مدينة غزة، من اتجاه الشرق، ليلتقي بقواته هناك التي تقدّمت من جهة الغرب، ويبدأ بالتالي فصل مدينة غزة إلى جزءين، شمالي وجنوبي، وعزل حيّ الشجاعية الذي لا يزال العدو عاجزاً عن السيطرة عليه.
أما في جنوب القطاع، فلم يفلح الاحتلال بعد في إحكام الطوق على مدينة خانيونس، حيث تجري اشتباكات عنيفة وواسعة على محاور التقدم كافة في محيط المدينة وأطرافها، وخصوصاً من الجهتين الشرقية والشمالية. وتُبدي المقاومة هناك استبسالاً غير مسبوق، وهي تنجح إلى الآن في منع قوات العدو من السيطرة والاستقرار على غالبية محاور الاشتباك. ونشرت «سرايا القدس»، أمس، مشاهد من الاستحكام المدفعي والصاروخي الذي نفّذته على خطّ إمداد جيش الاحتلال في محاور شرق خانيونس.
وفي موازاة الضغط العسكري الإسرائيلي المتزايد في الميدان، بحثاً عن تحقيق أهداف «ثقيلة» قبل الانتقال إلى «المرحلة الثالثة» من الحرب، وتعظيم الضغط على المقاومة خدمةً لمسار المفاوضات حول صفقة جديدة لتبادل أسرى، لا يبدو أن ما يتطلع إليه العدو سيتحقق له، حيث ترفع المقاومة من شروطها، وتُبدي إصرارها على مطالبها، غير خاضعة لأي ضغوط. وبحسب معلومات «الأخبار»، تبدو «حماس معنيةً بالحوار والتجاوب مع الوسطاء، ولكن بهدف إستراتيجي وهو وقف الحرب». وإلى يوم أمس، «كانت الجهات المختلفة المعنيّة بالمفاوضات، قد تبلّغت من قيادة الحركة في قطاع غزة، بالإصرار على وقف العدوان قبل الشروع في صفقة»، و«الاستعداد لعقد اتفاق لوقف الحرب وتنفيذ صفقة تبادل شاملة على الفور، تشمل كل ما لديها من أسرى أحياء وأموات».
تبدو «حماس معنيةً بالحوار والتجاوب مع الوسطاء، ولكن بهدف إستراتيجي وهو وقف الحرب»


وكان الإسرائيليون أبدوا، تحت وطأة الضغوط التي تعرّضوا لها إثر قتل جيشهم 3 أسرى في قطاع غزة، استعدادهم لعقد صفقة تبادل جديدة، كانوا قد تمنّعوا عنها خلال المفاوضات التي سبقت انهيار الهدنة الماضية. وبحسب معلومات «الأخبار»، فقد عرض الإسرائيليون، خلال اللقاءات مع القطريين والأميركيين في أوروبا، «العودة إلى الهدن، على قاعدة إطلاق المقاومة سراح النساء، ومن ضمنهن المجنّدات، وكذلك إطلاق سراح القاصرين وكبار السنّ»، لكن مقابل «إطلاق سراح عدد من الأسرى الفلسطينيين من كبار السنّ والمرضى والأسرى الذين حُرروا في صفقة شاليط، ثم أُعيد اعتقالهم»، وهذا ما كانت تطلبه حركة «حماس»، خلال الساعات الأخيرة من المفاوضات التي سبقت انهيار الهدنة. لكن وفق المعلومات، لم تقبل «حماس» بذلك العرض، بل أكدت أنها غير معنيّة حالياً بمفاوضات من هذا النوع. والواقع أن «العرض الإسرائيلي الجديد لا يبدو مغرياً بالنسبة إلى المقاومة، التي من الممكن أن تعود إلى التفاوض في وقت ما، لكن بالتأكيد وفق سلة مختلفة من التفاهمات، لناحية العدد ووقف إطلاق النار وإدخال المساعدات». كما أنها «حالياً لا تبدي استعجالاً لعقد صفقة مماثلة للسابقة». ويأتي ما تقدّم علماً أن وفداً من قيادة «حماس» في الخارج، برئاسة إسماعيل هنية، سيزور القاهرة اليوم، في ثاني زيارة من نوعها منذ بدء الحرب.
على المقلب الآخر، نقلت «القناة 13» الإسرائيلية عن مسؤول إسرائيلي مطّلع، قوله إنه «من المحتمل أن تكون تكاليف الصفقة الجديدة مرتفعة لإسرائيل». كما أشارت «القناة 12» إلى أن «محادثات مهمّة وجادّة وعميقة تجري بشأن تفاصيل صفقة الرهائن، لكنّ الاتفاق ليس وشيكاً». أما رسمياً، فجدّد رئيس الحكومة، بنيامين نتنياهو، بعد لقائه بعض عائلات الأسرى، القول بأنه «ملتزم شخصياً بإعادة جميع المخطوفين، ولن أدّخر جُهداً في سبيل ذلك»، في حين أكّدت الخارجية الأميركية أنه «يمكن التوصّل إلى هدنة إنسانية ممتدّة إذا وافقت حماس على إطلاق سراح الرهائن».