رام الله | تستخدم إسرائيل، منذ السابع من أكتوبر، سلاح التجويع في حرب الإبادة التي تشنّها على قطاع غزة، وهو ما أدّى إلى انعكاسات طالت سكّان القطاع جميعاً، وتحديداً المرضى منهم، كما الأطفال والنساء. وبعدما أُغلقت المعابر كافة، سُمح لاحقاً بدخول بعض شاحنات المساعدات، فيما دُمّرت البنية التحتية الغذائية لغزة، من محطّات تنقية المياه، والمخابز، والمستودعات الغذائية والمطاحن. ولم تقتصر هذه السياسة على الغزيّين فحسب، بل انسحبت أيضاً على الأسرى في سجون الاحتلال، والذين سحبت إدارة السجون منهم كلّ امتيازاتهم، وحرمتهم شراء الطعام من مالهم الخاص، وقلّلت وجبات الطعام المخصّصة لهم بشكل كبير، وهو ما انطبق كذلك على مئات الأسرى الذين جرى اعتقالهم من القطاع، والذين تحدّثوا بدورهم عن تعرّضهم للتعذيب، ومن أدواته التجويع والحرمان من الطعام لأيام.وتُجمع تقارير المنظّمات الأممية والدولية ومنظمات حقوق الإنسان على أن الجوع ضرب غزة، وأن الجميع باتوا يعانون منه، في ظلّ محدودية شاحنات المساعدات الغذائية التي تدخل القطاع، والتي لا تلبّي الاحتياجات المتزايدة، فضلاً عن حرمان مناطق عديدة منها، ولا سيما في الشمال. ويتزامن ذلك مع الارتفاع الجنوني في أسعار المواد الغذائية القليلة المتبقّية في القطاع، في ظلّ حالة الفقر العامة بين السكان. وللمرّة الثالثة في غضون أسبوع، زار وفد من «منظّمة الصحة العالمية»، مستشفى «الشفاء»، يوم أمس، حيث أكّد منسّق الطوارئ في المنظّمة أنّ «خطر المجاعة في غزة يلوح في الأفق، وداخل المستشفى ليس لديهم سوى الأرز ليأكلوه، وهم يتناولون وجبةً واحدةً في اليوم في أفضل الأحوال، وهم جائعون». ومن جهتها، اتّهمت منظّمة «هيومن رايتس ووتش» القوات الإسرائيلية بتعمّد منْع توصيل المياه والغذاء والوقود، وتدمير المناطق الزراعية، وحرمان سكّان غزة من المواد اللازمة للبقاء على قيد الحياة، لافتة إلى أن «الحكومة الإسرائيلية تستخدم تجويع المدنيين كأسلوب من أساليب الحرب».
وبعدما جرّد العدوان الفلسطينيين في غزة من كلّ ممتلكاتهم، فإن ما تبقّى منها بات معروضاً للبيع من أجل الحصول على الغذاء، بحسب تقرير لـ«منظّمة الصحة العالمية» (23 الجاري)، والتي أكد مديرها، تيدروس غيبريسوس، بدوره، عبر منصّة «إكس»، أن هناك «جوعاً ومجاعة» في غزة، مضيفاً أنّ «الآباء والأمهات يجوعون حتى يتمكّن أطفالهم من تناول الطعام، وهذا الوضع كارثي على صحة الناس في قطاع غزة». كذلك، ذكرت «منظّمة الأمم المتحدة للطفولة» (يونيسيف) أن أكثر من 80% من الأطفال في القطاع «يعانون فقراً غذائياً حادّاً»، وأن تقديراتها تشير إلى أنه في الأسابيع المقبلة، سيعاني ما لا يقلّ عن 10 آلاف طفل دون سنّ الخامسة من سوء التغذية الذي يهدّد حياتهم، موضحة أن «هذه النتائج تشير إلى أن جميع الأطفال دون الخامسة في قطاع غزة - وعددهم 335 ألف طفل - معرّضون بشدّة لخطر سوء التغذية الحادّ والوفاة التي كان يمكن الوقاية منها لولا استمرار تزايد خطر المجاعة».
تعاني عشرات الآلاف من النساء الحوامل من الجوع الشديد بسبب الأزمة الغذائية المتصاعدة في غزة


ولا يقتصر خطر المجاعة وسوء التغذية على الأطفال، إذ تبدو الأسابيع القليلة المقبلة خطيرة على جميع السكان، وفقاً لتقرير «برنامج التصنيف المرحلي المتكامل للأمن الغذائي» (آي بي سي) المدعوم من الأمم المتّحدة (يصنف مستويات الجوع من 1 إلى 5)، والذي قال إنه بحلول الـ7 من شباط المقبل، وفي «السيناريو الأكثر ترجيحاً»، سيكون «سكّان قطاع غزة جميعهم» عند مستوى جوع يلامس «الأزمة أو ما هو أسوأ»، وإن نحو 50% من سكّان غزة يُتوقّع أن يدخلوا في ذلك التاريخ مستوى «الطوارئ» الذي يشمل ارتفاع معدّلات سوء التغذية الحادّ وزيادة الوفيات. وترصد التقارير والشهادات التي توثّقها المؤسّسات الحقوقية، آلاف العائلات التي لا يتمكّن أبناؤها من تناول وجبة طعام واحدة وقليلة يومياً، كما لا يستطيعون الحصول على مياه صالحة للشرب، بينما اضطرّت مئات العائلات لتأمين بعض الطعام عبر ذبح حيوانات ليست صالحة للأكل.
لكن مؤسّسات دولية أخرى تشكّك في الأرقام والإحصائيات الواردة أعلاه، مبيّنةً أن الوضع أكثر سوءاً من ذلك، ومنها «منظّمة الإغاثة الدولية» (أوكسفام) التي ذكرت أن «90% من سكّان غزة يواجهون الجوع الشديد، ويزداد خطر المجاعة يوماً بعد يوم، ما لم يتمّ التوصّل إلى وقفٍ لإطلاق النار»، وليس كما ذكر «برنامج الأغذية العالمي» من أن ما لا يقلّ عن 25% من سكّان القطاع يواجهون الجوع الشديد. كذلك، أكّدت شهادات أسرى من القطاع اعتُقلوا لعدّة أسابيع وأُفرج عنهم أخيراً، اتّباع جيش الاحتلال سياسة التجويع بحقّهم، ومن هذه الشهادات، ما قاله الشاب نايف علي من أنه بقي مقيّد اليدين ليومَين من دون طعام أو مياه، موضحاً أن جنود العدو كانوا يرمون الطعام على الأرض ويرفضون إطعامنا وجعلونا نموت من الجوع. وينطبق ذلك أيضاً على الأسرى في السجون، إذ قال الطفل نصر الله الأعور الذي أُفرج عنه في صفقة التبادل بين الاحتلال والمقاومة، في تصريح صحافي عقب الإفراج عنه: «كانوا يجوّعوننا ولا يقدّمون لنا سوى ربطتين من الخبز لكلّ غرفة، وهذه الكمية لا تكفي، بخاصة أنّ هناك أطفالاً لا تتجاوز أعمارهم 11 و12 عاماً ولا يعلمون حتى كيف يتعاملون مع هذا الوضع».
وسلّطت مؤسّسة «أكشن آيد» الدولية، في تقرير، الإثنين، الضوء على معاناة عشرات الآلاف من النساء الحوامل من الجوع الشديد بسبب الأزمة الغذائية المتصاعدة في غزة، ما يحدّ من قدرتهنّ على إرضاع أطفالهن حديثي الولادة، ناقلةً شهادة امرأة تدعى عناية، وتقيم في مخيم في جنوب غزة مع أسرتها بعدما دمّر القصف منزلها، إذ قالت: «تمّ إعطاؤنا ثلاثة علب من الجبن وعلبتين من الفول المدمس لثمانية أشخاص، وهذه الكمية مخصّصة لوجبات الإفطار والغداء والعشاء».