الحسكة | ردّاً على الهجمات التي قالت تركيا إن عناصر من «حزب العمال الكردستاني» نفّذوها ضدّ مواقع للجيش التركي شمال العراق، ما أودى بحياة «6 أفراد منهم وإصابة آخرين»، استهدفت الطائرات الحربية والمسيرات التركية، أخيراً، المناطق الخاضعة لسيطرة «قسد»، في ريفي حلب والحسكة، بهجمات جوية واسعة. واقترنت هذه الهجمات بتصعيد لعمليات الجيش التركي في مختلف أنحاء سوريا، حيث نُفّذ أكثر من خمسين هجوماً في يومين فقط، تركّز معظمها في مدينة القامشلي وريفها، إضافة إلى مناطق في المالكية والقحطانية وعامودا في ريف الحسكة الشمالي، وعين العرب في ريف حلب الشمالي الشرقي. واستهدفت هذه الهجمات مواقع حيوية وبنى تحتية، كمحطات النفط والكهرباء وصوامع الحبوب ومنشآت صناعية وزراعية وخدماتية، ما يكشف عن خطط تركية لضرب البنى التحتية، المملوكة بمعظمها من الحكومة السورية، والتي استولت عليها «قسد» في السنوات الأخيرة من الحرب. وحتى الآن، تسبّبت الضربات التركية بمقتل عشرة مدنيين وإصابة آخرين، إضافة إلى خسائر مادية كبيرة، قُدّرت قيمتها بملايين الدولارات. وتفيد مصادر ميدانية، «الأخبار»، بأن «الجيش التركي نفّذ 40 هجوماً جوياً، 7 بالطيران الحربي، و33 بالطائرات المسيّرة، استهدف فيها مدينة القامشلي وريفها 31 مرة، وعين العرب 6 مرات، وعامودا 3 مرات»، علماً أن تلك المناطق تضمّ عدداً كبيراً من «المنشآت الاقتصادية والخدماتية والزراعية والصناعية». وتوضح المصادر أن «هجمات يوم الإثنين سبقها هجوم على 3 محطات نفطية تابعة لشركة عودة وسعيدة، و12 مقرّاً تابعاً لـ(قسد) في القحطانية والمالكية في ريف الحسكة الشمالي، ما أدى إلى انقطاع الكهرباء عن عدد كبير من الأهالي». وطبقاً للمصادر نفسها، فإنّ «هذه الهجمات تهدف إلى تدمير البنى التحتية السورية التي استولت عليها (قسد)، بذريعة الانتقام من الأخيرة، بسبب تبعيتها لـ(حزب العمال الكردستاني)»، وهي «الذريعة الثابتة» التي تلجأ إليها أنقرة، «لتدمير ما تبقّى من منشآت وبنى تحتية ومرافق في الشمال والشرق». وعليه، تدعو المصادر نفسها، «قسد»، إلى «التفكير بعقلانية، والتخلّي عن فكرة التحالف مع الأميركيين الذين سيسهّلون لحليفتهم تركيا احتلال كلّ مدن الشمال السوري»، معتبرةً أن «الحلّ الوحيد لوضع حدّ للأطماع التركية، يكمن في تسليم هذه المناطق بالكامل إلى الدولة السورية، وإعادتها إلى سلطتها العسكرية والإدارية».
تسبّبت الضربات التركية بمقتل عشرة مدنيين وإصابة آخرين وبخسائر مادية كبيرة قُدرت قيمتها بملايين الدولارات


من جهتها، قالت وزارة الدفاع التركية إنّ هجماتها «الانتقامية» الجوية على سوريا والعراق، «تمكّنت من الإطاحة بعدد كبير من إرهابيّي (حزب العمال الكردستاني)، عبر ضرب مواقعهم هناك، والتي شملت مخابئ وملاجئ قتالية»، فيما تعهّد الرئيس التركي، رجب طيب إردوغان، بـ«مواصلة تطبيق الاستراتيجية الهادفة إلى اجتثاث جذور الإرهاب حتى القضاء على آخر إرهابي»، متوعداً مَن وصفهم بـ«المجرمين الملطّخة أيديهم بالدماء، وأولئك الذين يدعمون التنظيم الانفصالي»، بأنهم سيدركون «عاجلاً أم آجلاً أنه لا مكان للإرهاب في مستقبل منطقتنا»، في إشارة إلى الولايات المتحدة. أمّا «قسد» فواجهت التصعيد الميداني التركي بموجة من البيانات والتصريحات المندّدة، داعيةً كلّاً من الولايات المتحدة وروسيا والحكومة السورية والأمم المتحدة، إلى «التدخل لوقفها». وفي هذا الإطار، طالب القائد العام لـ«قسد»، مظلوم عبدي، «المجتمع الدولي بردع الهجمات التركية»، محذّراً من أنّ «استمرارها سيؤدي إلى تفاقم الأوضاع، واندلاع حرب كبيرة». وأشار إلى أن «التركيز على شنّ هجمات غير متناهية يرفع من مستوى القلق والتصعيد، ويقوّض بالتالي الاستقرار في المنطقة». وحضّ «مجلس سوريا الديموقراطية»، بدوره، في بيان، واشنطن وموسكو على «ممارسة دورهما في حماية وتطبيق القانون الدولي والإنساني، وعدم التساهل مع الأطماع التركية، وسياسات الابتزاز التي تمارسها»، فيما طالبت «الإدارة الذاتية»، الحكومة السورية، بـ«اتخاذ موقف حيال العدوان التركي، الذي يعدّ استهدافاً لعموم سوريا، في جغرافية شمال شرقها»، معتبرة أنّه «من الخطأ قراءة المشهد بغير هذا المنطق»، نظراً إلى أنّ ما حصل «هو تجاوز لسيادة سوريا، واستهداف لمنشآت خدمية، تعمل لخدمة جميع السوريين».
في هذا الوقت، بدا لافتاً انتخاب أعضاء «مجلس سوريا الديموقراطية»، في مؤتمرهم الرابع، محمود المسلط، المقرّب من الولايات المتحدة وتركيا، رئيساً جديداً للمجلس، خلفاً للشيخ رياض درار. وجاء انتخاب المسلط، الناشط السابق في صفوف المعارضة المحسوبة على أنقرة، بعد أقلّ من عام على زيارته تركيا، ولقائه إردوغان. وترجّح مصادر مطّلعة، في تصريح إلى «الأخبار»، أن يكون «انتخاب محمود المسلط قد أتى بدفع ونصيحة أميركيين للقيادات الكردية في (قسد) و(مسد)»، في وقت تسعى فيه واشنطن «إلى إشراك شخصيات من المعارضة ضمن الجسم السياسي لأكراد سوريا، في محاولة البحث عن نقاط تلاقٍ مع أنقرة». وترى المصادر أن «التصعيد العسكري التركي الأخير، هو بمثابة ردّ على هذه الخطوة، نابع من التمسك بفكرة أن (قسد) هي امتداد لـ(حزب العمال الكردستاني)، المصنّف على لائحة الإرهاب في تركيا». ومن جهتها، نفت مصادر عشائرية أن «يكون اختيار المسلط لهذا المنصب قد جاء بناءً على ضغوطات من أيّ طرف»، معتبرةً أنه اختير لهذه المهمة «بعيداً عن أيّ أبعاد سياسية إقليمية أو دولية»، لأنّه «من الشخصيات العشائرية التي تسعى إلى تقريب وجهات النظر مع الجميع».