تتسابق الأطراف الموالية للسعودية والإمارات، لتسجيل موقف لمصلحة إسرائيل في البحر الأحمر، عبر إبداء استعدادها للمشاركة ضمن التحالف البحري الجديد الذي تقوده الولايات المتحدة. ورغم أنّ هذا الموقف الذي تحرص تلك الأطراف على تسجيله لن يتجاوز التصريحات، ولن يُترجم في الواقع، إلّا أنّها تحاول البناء عليه لتقديم أوراق اعتمادها لدى «المجتمع الدولي»، وتوطيد نفوذها في المناطق الواقعة تحت سيطرتها، أو حتى حجز مواقع مستقبلية في إطار خطة السلام الشامل لمستقبل اليمن.عملياً، لا يبدو أن لدى «المجلس الانتقالي الجنوبي»، ولا «المقاومة الوطنية» التي يقودها طارق صالح، أدوات حقيقيةً يمكنهما عبرها مواجهة قوات صنعاء البحرية، خصوصاً أنّ قواتهما مدرّبة ومجهّزة لخوض حروب في الجبهات البرية، وليست لديهما قوات بحرية من الأساس، الأمر الذي يفسّر مطالبتهما الولايات المتحدة بتعزيز تسليحهما. لكن هل ستوافق واشنطن، أو حتى الرياض وأبو ظبي، على هذا الطلب؟ بحسب تجربة السنوات السابقة من الحرب، فإن الولايات المتحدة تتوجّس من تسليح أيّ طرف يمني بسلاح وازن، لا بل إن التحالف السعودي - الإماراتي نفسه سحب السلاح اليمني الثقيل الذي كان في عهدة تلك المكوّنات، وجهّزها بسلاح خفيف ومتوسّط يمكن استخدامه في المعارك في ما بينها، أو في مواجهة قوات صنعاء.
ولعل أبرز الأسباب التي تقف خلف ذلك الموقف، المشروع الأميركي المتمثّل في نزع السلاح الثقيل الإستراتيجي من القوات العسكرية اليمنية، والسلاح المتوسط من القبائل، وهو المشروع الذي نُفّذ جزء منه قبل عقدين تقريباً من الزمن، في عهد الرئيس السابق علي عبد الله صالح، ثم استُكمل لاحقاً ضمن مشروع الحرب على اليمن في عهد الرئيس عبد ربه منصور هادي، تحت عناوين مختلفة منها نزع السلاح من حركة «أنصار الله». ويكشف قيادي عسكري سابق في الحرس الجمهوري، لـ«الأخبار»، عن كواليس النقاش بين صالح والاستخبارات الأميركية، إثر محاولة الأوّل عقد صفقة مع الصين، تمخّضت عنها موافقة الأخيرة على بناء مطار عسكري، وتقديم عشرات الطائرات، رغم أن الهدف، بحسب حديث الرئيس الراحل مع الجانب الأميركي، كان مواجهة الجماعات الإرهابية، إثر فشل واشنطن في تحقيق حسم في المعركة مع عناصر «القاعدة»، وتورّطها في استهداف مئات المدنيين في غارات خطأ. ويلفت القيادي العسكري إلى أن «السفير الأميركي (السابق)، إدموند هول، وصل إلى مكتب الرئيس صالح، وأبلغه رفض الولايات المتحدة الرسمي للصفقة مع الصين»، بدعوى أن «السلاح الحالي لدى الجيش يشكّل عبئاً وهاجساً مرعباً لمصالح واشنطن في المنطقة في حال تمكّنت جماعات من الوصول إليه. وليس هذا فحسب، بل إن مشروعها يقضي بأن يكون اليمن منزوع السلاح، إلا من سلاح الشرطة، إذ إنه لا يوجد تهديد حقيقي من دول الجوار عليه».
مشروع واشنطن المتقادم يقضي بأن يكون اليمن منزوع السلاح، إلا من سلاح الشرطة


بعد اندلاع الحرب، وتأسيس ما يسمّى «الجيش الوطني»، إضافة إلى عشرات الميليشيات، بدا واضحاً أن التحالف السعودي - الإماراتي لم يحِد عن المشروع الأميركي، وعزف عن تسليح حلفائه المحليين، لا بل إنه استهدف السلاح الثقيل أكثر من مرّة، ودمّر عشرات العربات والصواريخ والمدافع، فضلاً عن أنه أتلف السلاح الذي صادره من تلك الجماعات في وقت مبكر من الحرب. الآن، وبعد اختلال التوازن، وتغيّر المعادلة لمصلحة قوات صنعاء، تعاظمت دعوات المكونات الموالية لـ«التحالف» إلى تزويدها بسلاح وازن، تستطيع عبره فتح جبهات جديدة، أو محاولة إسناد الحلف الجديد في البحر الأحمر، غير أنّ الوقت بالنسبة إلى واشنطن غير مناسب لتأسيس قوات بحرية جديدة، فضلاً عن أن السياسة الأميركية لم تتغيّر، ولا تزال تتوجّس تسليح أيّ طرف يمني، إمّا لتخوف من تغيير التحالفات المحلية والإقليمية، وإما خشية من وصول السلاح إلى أطراف مناوئة للمشروع الأميركي.
وبعد مضيّ أكثر من شهر على تنفيذ صنعاء عمليات ضدّ السفن الإسرائيلية وتلك المرتبطة بالكيان في البحر الأحمر، يبدو أن جميع خصومها باتوا في ورطة، سواءً الأطراف المحلية أو الولايات المتحدة أو التحالف السعودي - الإماراتي، فضلاً عن إسرائيل. إذ إن كلّ الخيارات، سواءً في ما يتعلّق بإعادة فتح الجبهات في مواجهة «أنصار الله» وعودة الحرب مجدّداً، أو في ما يتّصل بتنفيذ ضربات أميركية ضدّ الحركة، تَظهر غير ذات فاعلية في كبح جموح صنعاء في البحر الأحمر، الأمر الذي سيكبّد تل أبيب خسائر فادحة على المستويين الاقتصادي والأمني، ويعزّز حضور «أنصار الله» الوازن، ليس فقط محلياً، ولكن إقليمياً ودولياً أيضاً.