تقع إسرائيل تحت ضغط الحرب المستمرة على غزة والتي قاربت إكمال شهرها الثالث. وهي اليوم تحسب الأكلاف المرتفعة لهذه الحرب، إذ على الحكومة الإسرائيلية أن تقيس ذلك بالدرجة الأولى على الاقتصاد الإسرائيلي وبالدرجة الثانية على حركة المجتمع في داخل الكيان الغاصب.صحيح أن الدعم الغربي لإسرائيل يمكن أن يغطّي هذه الأكلاف، إلا أن حزم هذا الدعم، وخصوصاً الأميركي منه، لم يصل منها إلا القليل حتى الآن، إذ أتت على شكل ديون استثمرتها بعض الدول والولايات الأميركية في سندات الدين الإسرائيلية. ومن ناحية أخرى، هذه الأكلاف لها أثر عميق في الاقتصاد الإسرائيلي وقد لا يكون حلّها بسيطاً، مثل الحزم النقدية القادمة من الغرب.

0.5

مليار شيكل هي الكلفة الأسبوعية لاستدعاء جنود الاحتياط على الاقتصاد الإسرائيلي، بسبب غياب هؤلاء عن أعمالهم


الأثر الكبير في الحرب هي الكلفة المباشرة على الحكومة، التي توقّع البنك المركزي الإسرائيلي خلال الشهر الماضي أن تفوق 50 مليار دولار بحلول عام 2025. الكلفة الكبيرة في هذا الصدد هي الكلفة العسكرية، وأهمّها كلفة جنود الاحتياط الذين استدعاهم الجيش الإسرائيلي في بداية الحرب. وبحسب صحيفة «ذي ماركر»، تبلغ الكلفة اليومية لقوات الاحتياط الإسرائيلية ما بين 300 و400 مليون شيكل، أي نحو 83 إلى 110 ملايين دولار.
هذه الكلفة تشمل أجور الجنود، بالإضافة إلى عتادهم وطعامهم وما إلى ذلك. تضاف إلى الكلفة العسكرية، كلفة التعويضات للأسر والمؤسسات عن الأضرار المباشرة التي تسببت بها الحرب (47 مليار شيكل أي 6 مليارات دولار)، وكذلك تدخل في هذه الأكلاف ما حصل من انخفاض في قيمة الضرائب المتوقّع جبايتها (35 مليار شيكل أي 9.4 مليارات دولار).
أوّل انعكاسات هذه الأكلاف هي على الميزانية العامّة الإسرائيلية، التي سيزداد عجزها بشكل أكيد. فمن جهة، أجبرت الحرب حكومة بنيامين نتنياهو على زيادة إنفاقها، للتعويض ولتمويل العملية العسكرية، ومن جهة أخرى أدّى تباطؤ الحركة الاقتصادية بفعل الحرب إلى انخفاض حجم الضرائب المتوقّعة. وبالفعل صادقت الهيئة العامّة للكنيست خلال الشهر الحالي على الميزانية بشكل نهائي، حيث بلغ العجز 6% من الناتج المحلّي، الذي يقدر بـ 111 مليار شيكل (30 مليار دولار).

أكلاف الحرب لها أثر عميق في الاقتصاد الإسرائيلي وقد لا يكون حلّها بسيطاً، مثل الحزم النقدية القادمة من الغرب


ويُعدّ هذا العجز أكبر بنحو مرتين ونصف مرة من سقف العجز الذي كان يسجل قبل الحرب، والذي كان يبلغ 43.7 مليار شيكل (12 مليار دولار). ومن المتوقّع أن تغطّي الحكومة هذا العجز الإضافي عبر الاستدانة، ما سيرفع نسبة الدين العام إلى الناتج المحلّي إلى نحو 66%.
أما من الناحية الاقتصادية، فقد كان للحرب انعكاس مهم على الحركة الاقتصادية، إذ كشفت بعض العيوب في الاقتصاد الإسرائيلي. أهمّها يتعلّق بهيكلية سوق العمل. وقد اتّضح خلال مسار الحرب أن الاقتصاد الإسرائيلي يعتمد بشكل مفرط على العمّال غير الإسرائيليين، ولا سيّما في القطاعات التي تحتاج إلى يد عاملة، مثل البناء والزراعة. وبشكل خاص تعتمد هذه القطاعات على العمّال الفلسطينيين الآتين من الضفّة الغربية وغزّة. ومع غياب هؤلاء العمّال، عانت القطاعات من توقّف في المشاريع، وخصوصاً في قطاع البناء الذي عانت الشركات فيه من توقّف أكثر من نصف المشاريع بفعل غياب نحو 81% من العمّال (معظمهم من الفلسطينيين). كما عانى قطاع الزراعة بسبب غياب نحو 25 ألف عامل، لدرجة أن هناك دعوات وُجّهت في إسرائيل للتطوّع لمساعدة المزارعين في قطاف الثمار، وقد قامت بعض الجمعيات بالفعل بتنظيم حملات تطوّع لهذا الهدف.

35%

هو معدّل ارتفاع متأخّرات الدفعات على قروض الرهن العقاري بين تشرين الأوّل 2022 وتشرين الأوّل 2023


في المقابل، يواجه الاقتصاد الإسرائيلي مشكلة ارتفاع في نسبة البطالة، التي تبلغ اليوم بين 7% و8%. فقد أسهمت الحرب في توقّف الكثير من المؤسسات عن العمل، ولا سيما تلك التي تعمل في قطاع السياحة والترفيه. وقد انعكس ذلك من خلال زيادة العاطلين عن العمل بنحو 181 ألف عامل.
وعلى صعيد آخر، تسبب التهديد اليمني للملاحة الإسرائيلية عبر باب المندب بخلل في حركة الاستيراد الإسرائيلية. وقد انعكس هذا الأمر أولاً على مرفأ إيلات، الذي انخفضت إيراداته بنحو 85%. وقد ساهم هذا الأمر، وسيساهم مستقبلاً ، في ارتفاع أسعار البضائع المستوردة، وخصوصاً من بلدان شرق آسيا. فعلى سبيل المثال، من المتوقّع أن ترتفع أسعار السلع المستوردة من الصين بنسبة 5%، بحسب صحيفة «ذي ماركر». والجدير بالذكر أن البضائع الصينية تمثّل نحو 14.3% من الاستيراد الإسرائيلي، وقد بلغت في عام 2021 نحو 13.2 مليار دولار. ومن الطبيعي أن ينعكس هذا الأمر على معدلات التضخّم. وتأتي هذه العوامل بسبب تأثّر القدرة الفعلية على الاستيراد، وهو ليس أمراً يمكن أن تعالجه حزم المساعدة الأميركية أو الغربية، ومعالجتها تكمن في معالجة أسباب تعطّل مرور البضائع الإسرائيلية عبر باب المندب.



مدينة إيلات أكبر المتضررين
يعاني اقتصاد مدينة إيلات منذ بداية الحرب، ويعود ذلك إلى انعكاساتها التي شملت الاقتصاد الإسرائيلي بشكل عام، بالإضافة إلى كون المدينة هدفاً مستمراً لضربات القوات المسلّحة اليمنية، الأمر الذي ساهم في تضرر حركة الملاحة إلى مرفأ المدينة الذي يُعدّ محرّكاً لاقتصادها أيضاً. كما تعاني المدينة لأنها تستقبل نحو 60 ألف نازح داخلي إسرائيلي، أتوا من مستوطنات غلاف غزّة.
وبحسب موقع «واللاه» سيتم تسريح 15 ألف موظف من الفنادق بسبب الظروف الاقتصادية الصعبة. وتجدر الإشارة إلى أن فنادق المدينة كانت تعاني لأن الحكومة الإسرائيلية لم تدفع لها أيّ مستحقات مقابل إيوائها للمستوطنين النازحين إليها من غلاف غزّة. وبحسب الموقع المذكور، انخفضت مبيعات المتاجر بنحو 35%، كما انخفض الإنفاق عبر بطاقات الائتمان بنحو 40% إضافة الى البطالة الضخمة التي تبلغ 15% بين سكان المدينة. ونقل الموقع عن فيليب أزارد، الرئيس التنفيذي لبلدية إيلات أنه في غضون عشرة أيام سيُغلق نحو 20 فندقاً، ما يعني ارتفاع عدد العاطلين عن العمل بالآلاف.