غزة | في خضمّ إعلانات جيش الاحتلال المتكرّرة عن قرب نهاية العملية الكبرى في محافظة شمال غزة، والتي جرى تدعيمها أخيراً بانسحاب دبابات العدو من أحياء كبرى في بيت حانون وبيت لاهيا والفالوجا ومعسكر جباليا وجباليا البلد والجرن وتل الزعتر، لم تتوقّف فصائل المقاومة، حتى في عزّ المواجهات البرية، عن إطلاق رشقات كبيرة من الصواريخ تجاه مستوطنات العدو، من غلاف القطاع وحتى عمق مدينة تل أبيب. وفي تمام الساعة التاسعة من مساء الإثنين، وعلى موعد «تاسعة البهاء»، استقبل الآلاف من المواطنين الرشقات الصاروخية الكبيرة التي دكّت بها «سرايا القدس» مدينة عسقلان بالتهليل والتكبير، في مشهد أعاد إلى الأذهان أيام الزخم الصاروخي الأولى في بداية الحرب. وتكرّر المشهد ذاته ظهر الإثنين، وبصورة أكثر استبطاناً لمعاني التحدّي؛ إذ دكت «سرايا القدس» مستوطنات ومدن سيديروت وعسقلان برشقات صاروخية كبيرة من نقطة قريبة جدّاً من المكان الذي تتمركز فيه الدبابات الإسرائيلية في جباليا البلد.
تمثل الصواريخ «التيرموميتر» الذي يقنع مجتمع الاحتلال بأن الحرب على المقاومة لم تحقّق أيّاً من أهدافها

على أن المشهد الحاضر دائماً، هو دويّ قذائف «الهاون» التي لم تتوقّف يوماً واحداً طوال مدّة التوغّل البري؛ إذ تعلن «كتائب القسام» و«سرايا القدس»، يومياً، استهداف حشود العدو بالعشرات من القذائف الثقيلة، وهو ما يثبت أن مقدّرات المقاومة الصاروخية لا تزال بخير، وأن العمليات المكثفة لم تقُد الاحتلال حتى اللحظة إلى تدمير مرابضها وعُقدها الصاروخية الحصينة. وفي هذا السياق، توضح مصادر مقرّبة من المقاومة أن ما يتمّ إطلاقه من صواريخ، ليس مرتبطاً بمقدار الإمكانات الصاروخية المتوافرة، إنما بالمدّة التي يمكن أن تستغرقها الحرب، حيث يُتوقّع أن تكون العمليات البرية في القاطع الشمالي من القطاع قد شارفت على نهايتها، ما يعني تقلّص قدرة المقاومين على الالتحام المباشر وزيادة خسائر العدو البشرية، فيما من المتوقع أن يتواصل العمل من الجو عبر تنفيذ عمليات الاغتيال المركزة. وبالتالي، فإن المقاومة تريد، وفقاً للمصادر، الإبقاء على ورقة الصواريخ، للمحافظة على إشعار الجبهة الداخلية للعدو بأنها لن تتوقّف عن دفع أكلاف استمرار الحرب، حتى وإن انسحب جيشها من البر.
كذلك، تمثل الصواريخ وقذائف «الهاون»، «التيرموميتر» الذي يقنع مجتمع الاحتلال، بشكل مستمر، بأن الحرب على المقاومة لم تحقّق أيّاً من أهدافها المعلنة، ما يزيد من تورّط «كابينيت» الحرب وإحراجه، ليس أمام مستوطني غلاف غزة فقط، بل أمام المعارضة الإسرائيلية التي يتنامى لديها شعور متصاعد، بأن رئيس الحكومة، بنيامين نتنياهو، يحامي، عبر إطالة أمد الحرب، عن نفسه ومستقبله السياسي وليس عن «الدولة» التي تعيش خطراً وجودياً. ولعلّ ذلك هو ما عبّر عنه بوضوح رئيس الأركان الأسبق، دان حالوتس، الذي نقلت عنه «القناة الـ7» الإسرائيلية «(أننا) خسرنا الحرب ضد حماس وانتصارنا سيكون بإزاحة نتنياهو».