أنْ يَخرج الدود من داخل جسدك، أن ترى جزءاً منك يتعفّن، وتخرج منه رائحة كريهة وأنتَ على قيد الحياة... هي أبشع الأهوال التي لم تحضر في ذهن أحد، حتى في الكوابيس، فيما يعيشها اليوم آلاف الجرحى، في انتظار الموت، بعدما خرجت كل المستشفيات في شمال القطاع عن العمل، وتوقّفت الطواقم الطبية عن تقديم أيّ نوع من الخدمات الاستشفائية، بسبب نفاد المستهلكات الطبية وأدوات تعقيم الجروح تماماً.رشاد أبو زيدان، بات واحداً من هؤلاء، بعدما داهمه صاروخ من طائرة مسيرة أثناء توجّهه إلى بيته في مشروع بيت لاهيا، فأصيب بجروح متوسطة في قدمه وعينه ووجهه. حظي الشاب الثلاثيني، قبل حصار وتدمير مستشفى «كمال عدوان»، بجلسة طبية واحدة، أُجبر بعدها على ترك المستشفى؛ ذلك أنّ وضعه لم يكن خطيراً قياساً بالحالات التي تصل في كل لحظة. وانتهى به المطاف أخيراً في مركز إيواء مستشفى «اليمن السعيد»، إذ لم يجد طوال 20 يوماً مَن ينظّف له جرحه، أو يزيل ضمادته التي تحوّل لونها إلى الأسود لكثرة ما علق بها من أتربة وأوساخ. يقول، لـ«الأخبار»: «أرى الدود والعفن يخرج من جروحي يوميّاً، أقضي نهاري وليلي غارقاً في الصراخ والألم، أكتم ألمي كي لا أزعج مَن هم حولي من الأهالي».
أمّا الحاج السبعيني أبو عطا، فقد صادفته «الأخبار» هائماً في الشوارع على غير هدى، سائلاً عن طبيب يطبّب جرح نجله الوحيد، عطا، الذي أصيب قبل نحو شهر ونصف شهر من الآن، بجروح بليغة في بطنه. وبعدما استقرّت حالته جزئياً، أُخرج بأعجوبة من مستشفى «الإندونيسي» عشيّة حصاره. ومنذ ذلك الحين، لم يخضع لأيّ عملية تطهير أو مراجعة لجرحه. يقول الحاج، في حديثه إلى «الأخبار»: «تركته في المنزل، يخرج الدود من بطنه، ورائحة جرحه لا تطاق، وعدته بأن أعود له بطبيب أو ممرّض يطهّر له الجرح... ساعدوني».
على رصيف سوق مخيّم جباليا الجديد، الذي تحوّل إلى مقبرة تضمّ المئات من جثامين الشهداء، صادفنا أبو منير. لقد أدرك الرجل أخيراً، أنه كان مخطئاً حينما تمنّى لابنه الأصغر أن ينجو من الإصابة البليغة التي قاساها عقب استهداف منزل الجيران. أدرك بعد 40 يوماً، أن الاستشهاد سريعاً، كان خيراً له من المرور برحلة الموت البطيء، إذ تعفّنت جروحه، وأتى على جسده الدود، حتى استُشهد أخيراً بعد رحلة عذاب كانت أقسى على ذويه بألف مرّة من الموت الآني.