بغداد | كثّفت «المقاومة الإسلامية» عملياتها ضدّ القواعد الأميركية في سوريا والعراق، في الأيام الماضية، باعتبارها السبيل الوحيد للضغط على الأميركيين، خاصة أنّ أوساطاً سياسية وبعض الفصائل تشكّك في تصريحات رئيس مجلس الوزراء، محمد شياع السوداني، عن أن حكومته ماضية في اتجاه تحقيق المطلب الشعبي المتمثّل في إنهاء الوجود الأجنبي في البلاد، وذلك من جراء ضغوط تُمارسها واشنطن عليه، إلى درجة تهديده بخسارة منصبه في السلطة التنفيذية. وفي سياق استهدافها المستمر للقوات الأميركية، أعلنت «المقاومة الإسلامية في العراق»، أمس، إطلاق طائرات مسيّرة على قاعدتي المالكية ورميلان الأميركيتين في سوريا. وفي المقابل، ذكر «جهاز مكافحة الإرهاب» في إقليم كردستان العراق أنه تمّ «إسقاط» طائرة مسيّرة كانت تستهدف قوات «التحالف الدولي» والقوات الأميركية المتمركزة قرب مطار أربيل.وإذ تأتي هذه الاستهدافات على خلفية العدوان الإسرائيلي على غزة والدعم الأميركي المفتوح له، إلّا أنها أعادت في الوقت نفسه تحريك مطالبات فصائل المقاومة العراقية بإخراج قوات الاحتلال نهائياً من العراق. وعزّز تلك المطالبات لجوء واشنطن إلى شن غارات جوية على مقار للفصائل العراقية بين مدة وأخرى، ما دفع بالأخيرة إلى زيادة الضغط على الحكومة لتحقيق هدفها. والواقع أن السوداني بدأ يفقد دعم بعض الفصائل المسلحة له، ومن بينها «كتائب حزب الله» و«حركة النجباء»، خاصة بعد الهجمات الأميركية على مقار الفصيلَين، في وقت هاجمت فيه «الكتائب» الحكومة، أكثر من مرة، لـ«انجرارها» وراء سفيرة الولايات المتحدة في بغداد، ألينا رومانوسكي.
ولذا، تعكس تصريحات السوداني الأخيرة محاولة لتهدئة الفصائل التي تتوعّد بالانتقام من القوات الأميركية الموجودة في العراق، معتبرةً أن حضورها يشكّل خطراً على أمن المنطقة، والعراق تحديداً. ولم يحدّد رئيس الحكومة موعد خروج قوات «التحالف» من البلاد، لكن كلامه، خلال مؤتمر صحافي مشترك مع نظيره الإسباني، بيدرو سانشيز، في بغداد الأسبوع الماضي، عن أن بلاده ماضية في اتجاه إنهاء وجود قوات «التحالف الدولي» في العراق، كان موجهاً بالدرجة الأولى لتنفيس غضب الفصائل التي تسلّط ضغوطها على حكومته منذ بداية الحرب على غزة، ومحاولة احتواء التصعيد ضد المصالح الأميركية من قبل «المقاومة الإسلامية». وفي هذا الإطار، أكد المتحدث باسم الحكومة العراقية، باسم العوادي، لوسائل إعلام محلية، أن «الحكومة تدرس إنهاء مهمة التحالف الدولي لمحاربة داعش في العراق بعد مرور أكثر من 6 أعوام على الانتصار على تنظيم داعش الإرهابي»، مشيراً إلى «تشكيل لجان عليا مشتركة بين بغداد وواشنطن لإنهاء مهمة التحالف بالعراق».
في المقابل، يؤكد النائب عن «كتلة صادقون»، وهي الجناح السياسي لـ«حركة عصائب أهل الحق»، علي تركي، لـ«الأخبار»، أن «الوجود الأميركي في العراق يضرّ بمصالح البلاد السياسية والاقتصادية والأمنية وغيرها»، معتبراً أن «وجود قوات أميركية استشارية في العراق مجرّد أكذوبة لأنها ليست كذلك، وسفارة واشنطن في بغداد ثكنة عسكرية». ويضيف أن «أكذوبة القوات الاستشارية انتهت وقد رأينا مئات الأرتال العسكرية الأميركية تجوب الطرق السريعة بين محافظات العراق خلال فترة حكومة مصطفى الكاظمي»، داعياً الحكومة إلى أن «تكون جادة في مطالباتها بإخراج القوات الأميركية لأن العراق لا يحتاج إلى قوات قتالية أو استشارية». كما يطالب بإنهاء الاتفاقية الأمنية بين بغداد وواشنطن بطلب من الحكومة العراقية، مشيراً إلى أن «القوى السياسية والوطنية لديها إمكانات للخروج في تظاهرات كبيرة تجبر الجانب الأميركي على الرحيل من العراق».
تعكس تصريحات السوداني الأخيرة محاولة لتهدئة الفصائل


وتعوّل الفصائل على قرار صوّت عليه البرلمان العراقي في الخامس من كانون الثاني من عام 2020، يلزم حكومة بغداد العمل على إخراج القوات الأجنبية من البلاد. لكن عضو لجنة الأمن والدفاع النيابية، وعد القدو، يرى أن «تفعيل قرار الخروج لقوات التحالف وعلى رأسها الولايات المتحدة، يجب أن يتم بالضغط الجماهيري»، لافتاً، في تصريح إلى «الأخبار»، إلى أن «القرارات تضعف عندما لا يكون هناك ضغط جماهيري». ويشير إلى أن «هناك معوقات تقف أمام السوداني لإخراج القوات الأميركية وخاصة اقتصادية»، مضيفاً أن «البرلمان العراقي مصرّ على تطبيق قراره بإخراج القوات الأميركية من قبل الحكومة، ولكن هناك ضغوطاً على السوداني قد تجعل الأمر يحتاج إلى وقت ودراسة موسعة».
أما القيادي في «الحشد الشعبي»، ميثم العبودي، فيعتقد أن «المقاومة هي الحل الوحيد لإنهاء الوجود الأميركي، لأن الحوارات التي أجرتها الحكومتان السابقة والحالية مع واشنطن لم تجدِ نفعاً. وهناك ربما خجل وتردد من قِبل الحكومة في مصارحة الولايات المتحدة بأن الجانب العراقي غير راغب في وجودها. ولهذا، بدأت المقاومة تضغط على الحكومة تارة، وتشنّ هجماتها على القواعد تارة أخرى». ويلفت، في تصريح إلى «الأخبار»، إلى أن «التصريحات الإعلامية التي تصدر من بعض القوى السياسية وحتى الحكومة بشأن خروج القوات الأجنبية، لم تعد كافية وباتت مستهلكة جداً»، محذراً من «استغلال الولايات المتحدة تباين المواقف بين الفصائل والحكومة، وبالتالي يحتاج الأمر إلى وقفة من الجميع لطرد الاحتلال». ولا يستبعد العبودي «قيام المقاومة الإسلامية بتصعيد أكبر ضد الوجود الأميركي، لإجبار الحكومة على أن تكون أكثر جدية في هذا الملف، ولا سيما أن ذلك بات من المطالب الجماهيرية».