أظهر المشهد الميداني في قطاع غزة، أمس، أن صانع القرار في إسرائيل لا يزال يحاول الهروب من استحقاقات الإخفاق في تحقيق أهداف الحرب، إذ يتصرف كما لو أن قرار سحب آلاف الجنود من القطاع هو إجراء عسكري عادي، رغم أن مسؤولاً عسكرياً إسرائيلياً وضعه في إطار بدء المرحلة الثالثة من الهجوم على القطاع استجابة للضغط الأميركي، وأيضاً الاستعداد لتطورات محتملة على الجبهة الشمالية مع «حزب الله»، سبق الحديث عنها اغتيال نائب رئيس المكتب السياسي لحركة «حماس»، الشيخ صالح العاروري، في الضاحية الجنوبية لبيروت.ورغم تقليص عدد الجنود، كثّفت الطائرات والدبابات الإسرائيلية قصفها على المناطق الشرقية والشمالية في خانيونس في جنوب غزة، فيما شهد شمال مخيم النصيرات في وسط القطاع اشتباكات عنيفة، وسط قصف وُصف بأنه غير مسبوق على المخيم. وأعلنت «كتائب القسام» أن رجالها نصبوا كميناً محكماً لجيش العدو في محور مخيم البريج ومحور خانيونس، مؤكّدة مقتل وإصابة عدد من الجنود الإسرائيليين. وكذلك، أكدت «سرايا القدس» أن مقاتليها خاضوا اشتباكات ضارية مع جنود العدو بالأسلحة الرشاشة موقعين فيهم إصابات محقّقة في مناطق التقدم في مخيم البريج. وبالفعل، أفاد مستشفى «سوروكا» الإسرائيلي في بئر السبع بوصول 26 جندياً مصاباً إلى المستشفى منهم 3 في حالة خطيرة.
وفي وسط المأزق الذي يتخبط فيه جيش الاحتلال اعتبر وزير حرب العدو، يوآف غالانت، من شارع صلاح الدين في غزة، «أننا لا نستطيع أن نعيش في الشرق الأوسط من دون حسم واضح». مع ذلك، نقلت وكالة «رويترز» عن مسؤول إسرائيلي رفض كشف اسمه، تأكيده أن «الجيش انتقل فعلياً إلى المرحلة الثالثة حيث سيعمل بطريقة أكثر تركيزاً ضد حماس في قطاع غزة». لكنه قال إن «هذه المرحلة ستستمر ستة أشهر على الأقل وستتضمّن مهمّات مكثّفة»، مضيفاً أن «هدف القضاء على حماس يبقى أولوية»، وأن «عدد الجنود الذين سيتم سحبهم من القطاع هو بالآلاف». وتابع المسؤول أن «الجنود الذين سيغادرون غزة سيكونون مستعدين لاحتمال تصعيد الصراع مع حزب الله على الحدود الشمالية، وبالتالي لاحتمال الانتشار هناك»، معتبراً أن «المرحلة المقبلة حرجة ونحن نراقب الوضع عن كثب على الحدود مع لبنان. فتهديد حزب الله يمثّل تحدياً كبيراً، وإذا لم تعط الإجراءات الدبلوماسية نتائج، فإنه لن يكون لدينا خيار سوى معالجة المخاوف الأمنية بالوسائل العسكرية». وأكد أن «الرسالة للمبعوث الأميركي (آموس هوكشتين) والمجتمع الدولي واضحة: الوضع القائم لا يُحتمل وإسرائيل مستعدّة لحلّ حاسم إذا فشلت الجهود الدبلوماسية».
الجنود الذين سيغادرون غزة سيكونون مستعدّين لاحتمال تصعيد الصراع على الحدود الشمالية


وعلى مستوى المفاوضات حول تبادل الأسرى، ذكر بيان صادر عن مكتب رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، أن «الجهود المبذولة لاستعادة الأسرى الإسرائيليين المتبقّين في غزة مستمرة، والاتصالات لم تنقطع». لكنّ رئيس المكتب السياسي لحركة «حماس»، إسماعيل هنية، أكد أنه «لن يتم إطلاق أسرى العدو إلا بشروط المقاومة». وقال في خطاب متلفز إن «كل يوم يمرّ يزيد مقاومتنا قوة وصلابة وثقة بالنصر»، مضيفاً أن «هذا العدوان سيتوقّف تحت ضربات المقاومة وصمود شعبنا، وليس أمام الاحتلال إلا الاستجابة لإرادة شعبنا». وأعلن انفتاح الحركة على تشكيل «حكومة وطنية» في الضفة الغربية وقطاع غزة. وقال: «لقد تلقّينا العديد من المبادرات في ما يتعلق بالوضع الداخلي (الفلسطيني). نحن منفتحون من أجل إعادة المرجعية الوطنية وحكومة وطنية في الضفة وغزة».