طهران | مرّة جديدة، أُرجئت زيارة الرئيس الإيراني، إبراهيم رئيسي، إلى تركيا، والتي كان يُرتقب أن تبدأ اليوم الخميس، وذلك على خلفية انفجارَي كرمان اللذين راح ضحيّتهما العشرات. وتقرّر خلال اتصال أجراه الرئيس التركي، رجب طيب إردوغان، بنظيره الإيراني، للتعزية بضحايا كرمان، تأجيل الزيارة. ودان إردوغان، في الاتصال، «الاعتداءات الإرهابية التي استهدفت المدنيين»، مؤكداً وقوف تركيا إلى جانب إيران «في مكافحتها للإرهاب»، ومتمنّياً «الصبر والسلوان للشعب الإيراني في ضحايا الاعتداءات». والزيارة المؤجّلة «إلى وقت لاحق»، وفق البيان التركي، والأولى من نوعها لرئيسي إلى تركيا، كانت مقرّرة ابتداءً في الـ28 من تشرين الثاني الماضي، لكنها أرجئت بفعل قرار تركيا إلغاء ترخيص إقامة تجمّع جماهيري دفاعاً عن فلسطين دُعي الرئيس الإيراني للمشاركة فيه.وأقامت كلّ من إيران وتركيا، بصفتهما جارتَين، علاقات وثيقة، ولاسيما في العقدَين الأخيرَين. كما تمّت إدارة الخلافات بينهما، وخصوصاً في ما يتّصل بقضايا المنطقة، بما فيها سوريا وجنوب القوقاز، بطريقة حالت دون حدوث تصعيد في علاقاتهما. على أن جدول أعمال الزيارة كان سيتضمّن ثلاثة محاور أساسيّة، هي: العلاقات الثنائية، تطوّرات جنوب القوقاز والحرب في غزة، فضلاً عن انعقاد الدورة الثامنة للجنة المشتركة للتعاون بين إيران وتركيا.
وبعد فترة ذهبية من العلاقات الاقتصادية بين طهران وأنقرة، شهدت هذه العلاقات، خلال الأعوام الأخيرة، بعض التراجع، إذ انخفض حجم التبادل التجاري بين البلدين من 21 مليار دولار عام 2021، إلى نحو 7 مليارات دولار راهناً. ولعلّ العقوبات الغربية المفروضة على إيران تُعدّ من أهمّ الأسباب التي ساهمت في هذا التراجع، وصعّبت على تركيا التجارة مع جارتها، فضلاً عن تداعيات وباء «كورونا»، وكذلك الجهود التركية الرامية إلى إقرار ضرب من التوازن في علاقات أنقرة الاقتصادية مع الجمهورية الإسلامية، وبقية دول المنطقة.
ويشكّل تمديد اتفاق الغاز المبرم بين إيران وتركيا، والذي ينتهي سريانه في عام 2026، وزيادة قائمة الواردات والصادرات، وأيضاً زيادة عدد الأسواق الحدودية بين البلدَين، محور اهتمام مسؤولي البلدين في أيّ زيارة مرتقبة، وذلك بهدف تعزيز العلاقات الاقتصادية، فيما كان متوقعاً أن يتمّ التوقيع على نحو 10 اتفاقات في مجالات الثقافة والعلوم والإعلام والشؤون الداخلية والنقل والتجارة والاقتصاد.
كذلك، فإن أحد أهمّ الموضوعات على جدول الأعمال المؤجل، هو التعاون الأمني في مجال مكافحة المجموعات شبه العسكرية الكردية، إذ يواجه كلا البلدين معارضة كردية مسلّحة، ما أسهم في إيجاد هواجس مشتركة لديهما، وتعاون لاحتواء هذه القضيّة. وقد بذل الطرفان جهوداً لاحتواء أنشطة مجموعة «حزب العمال الكردستاني» في تركيا، وفرعه في إيران المسمّى «بجاك»، في المناطق الحدودية للبلدَين. وثمّة خشية مشتركة من أن يتحوّل إقليم كردستان العراق إلى معقل للمجموعات شبه العسكرية الكردية، ما دفع كلا البلدين إلى اتّخاذ إجراءات على الأرض لضرب مواقع هذه المجموعات في الإقليم، والضغط على الحكومة المركزية العراقية في الاتجاه نفسه.
دان إردوغان الاعتداءات الإرهابية التي استهدفت المدنيين في كرمان


أيضاً، لا تزال التطوّرات في جنوب القوقاز تؤرّق العلاقات الثنائية، حيث إن قضية إنشاء ممرّ يربط جمهورية آذربيجان بتركيا لم تحلّ بما يرضي جميع الأطراف. وحاولت باكو وأنقرة أن يعبر هذا الممر المعروف باسم «زنغيزور»، المنطقة الحدودية الواقعة بين أرمينيا وإيران، بيد أن الأخيرة عارضت المشروع بقوّة، ذلك أنه سيفقدها الطريق الذي يوصلها بأرمينيا، ويجعلها بالتالي معتمدة على تركيا وآذربيجان للمرور عبر هذه المنطقة. وأدّت الاحتجاجات، معطوفةً على التهديدات الإيرانية إزاء التغيير الجيوسياسي في المنطقة، إلى تراجع أنقرة وباكو خلال الأشهر الأخيرة عن فكرة إنشاء ممّر بالمواصفات السابقة، وحتى إنهما تحدثتا عن مسارات بديلة بهدف تلبية مطالب إيران.
أما القضيّة الثالثة، فهي التطوّرات المتعلّقة بالحرب الإسرائيلية على غزة، حيث يدافع البلدان عن موقف الفلسطينيين، وينددان بالجرائم الإسرائيلية، فيما يقيمان علاقات مع «حماس». إلا أنه ثمّة خلافات بينهما في هذا الشأن؛ إذ توقّعت إيران من تركيا أن تترجم أقوالها إلى أفعال بهدف الضغط على إسرائيل، بما يشمل قطع أو خفض حجم العلاقات التجارية مع الأخيرة، وهو مطلب لقي معارضة من تركيا وإردوغان شخصياً. وفي ضوء ظروف كهذه، وفي الوقت الذي قامت فيه إسرائيل بسلسلة إجراءات، بما فيها اغتيال القيادي البارز في «حماس»، صالح العاروري، يوم الثلاثاء في ضاحية بيروت الجنوبية، وقبله بأسبوع القيادي المحوري في «الحرس الثوري» الإيراني، سيد رضي موسوي، في سوريا، لتستحدث مرحلة جديدة من التصعيد، لم تتضح بعد السياسة التي ستنتهجها بلدان من مثل إيران وتركيا إزاء ذلك.