بالتزامن مع استمرار الهجمات التي تنفذها قوات العشائر على مواقع تابعة لـ«قوات سوريا الديموقراطية» (قسد)، وعلى وقع التصعيد المستمر على خطوط التماس شمالي سوريا، شنّ مسلحون تابعون لتنظيم «داعش» هجوماً عنيفاً على مواقع للجيش السوري في البادية عند الحدود الإدارية بين محافظتَي دير الزور والرقة. وتمكّن هؤلاء، وفقاً لمصادر ميدانية، من السيطرة على نقطتين لمدة مؤقتة، وذلك قبل أن يتمكّن الجيش السوري من استعادتهما، حيث قتل خلال الاشتباكات عدداً من مسلحي التنظيم، في حين تمكن آخرون من الفرار بعد سرقة سيارة.ويأتي الهجوم الأخير انسجاماً مع تكتيك جديد بدأ مسلحو «داعش» باتّباعه خلال الشهور الماضية، عبر الانتقال من مرحلة تفخيخ الطرقات وشن هجمات على الآليات، إلى شن هجمات منظمة على نقاط ثابتة، ومحاولة التمركز فيها أملاً في استعادة فترات ازدهار سابقة عاشها التنظيم. كذلك، ظهر خلال الهجمات الأحدث، استعمال المسلحين، وفقاً للمصادر، أسلحة جديدة لم تكن في حوزتهم سابقاً، واعتمادهم التنسيق بين مجموعاتهم المتفرقة المنتشرة في البادية، والتي كانت تقوم بتنفيذ عمليات فردية سابقاً، الأمر الذي اعتبرته المصادر «مؤشراً إلى تدخل طرف ثالث يقوم بتقديم الدعم لهذه المجموعات»، في إشارة إلى الدور الذي تلعبه واشنطن، والتي تتهمها دمشق وموسكو بتقديم الدعم للمسلحين في قاعدة «التنف» غير الشرعية عند الحدود العراقية والأردنية. وفي الشهرين الماضيين، نفّذ الجيشان السوري والروسي عمليات تمشيط جوية وبرية مشتركة، استهدفت مواقع يعتقد أن مسلحي التنظيم يختبئون فيها، بناء على بنك أهداف حددته طائرات استطلاع، حيث شملت الاستهدافات طرق إمداد ومناطق قريبة من قاعدة «التنف»، بالإضافة إلى عدد من الكهوف والمغاور المنتشرة في البادية.
ويأتي التصعيد الجديد من قبل «داعش» بالتوازي مع تصعيد ميداني مستمر في محيط القواعد الأميركية غير الشرعية في الشمال الشرقي من البلاد، حيث تتواصل العمليات التي تنفذها المقاومة على خلفية الدعم الأميركي غير المحدود للكيان الإسرائيلي في حرب الإبادة التي يشنها ضد الفلسطينيين في قطاع غزة. وفي المقابل، تستمرّ القوات الأميركية في تكرار محاولاتها الفاشلة للحدّ من هذه الهجمات التي تجاوز عددها منذ السابع من تشرين الأول الماضي في سوريا والعراق 120 هجوماً، شملت معظم مواقع تمركز القوات الأميركية، وآخرها هجمات استهدفت القواعد الأميركية في «الشدادي» و«العمر» و«خراب الجير» و«كونيكو».
وفي المنطقة ذاتها، وفي سياق المعارك المستمرة بين قوات العشائر و«قسد» المدعومة أميركياً، شنّ مقاتلون هجمات متفرقة على نقاط وحواجز لـ«قوات سوريا الديموقراطية» في ريف دير الزور الشرقي، شملت مناطق: ذيبان والكبر والجرذي وحوايج وصيجان والبصيرة والشحيل، ما دفع «قسد» إلى إعلان فرض حظر التجول في الأخيرة (الشحيل) واستقدام تعزيزات عسكرية. وفي جنوبي البلاد، تشهد المنطقة الفاصلة عن الأراضي السورية المحتلة إطلاقاً متواتراً للقذائف الصاروخية على مواقع انتشار جيش الاحتلال الإسرائيلي في الجولان السوري، في وقت تتابع فيه إسرائيل اعتداءاتها على الأراضي السورية، حيث تعرّض موقعان في ريفَي دمشق وحلب لهجمات، تم شنّها من فوق الأراضي المحتلة ومن خارج المجال الجوي السوري في البحر المتوسط، وتسبّبت في ريف حلب باستشهاد عائلة كاملة.
أما في شمالي البلاد، فخطوط التماس تتابع اشتعالها على وقع محاولات مسلحي الفصائل «الجهادية» شن هجمات «انغماسية» أو عن طريق الطائرات المسيّرة، والتي يردّ الجيش السوري عليها بحزم. وبعدما تعرضت بلدتا نبّل والزهراء لقصف صاروخي، ردّ الجيش السوري باستهداف مواقع «هيئة تحرير الشام» في دارة عزة والنيرب، في وقت شهدت فيه مدينة إدلب سلسلة استهدافات نفّذتها قوات الجيش طاولت مستودعَي أسلحة وأحد مقرات «الهيئة»، وفقاً لمصادر ميدانية. كما أعلنت وزارة الدفاع السورية إسقاط تسع طائرات مسيّرة حاول «الجهاديون» عبرها استهداف مناطق في أرياف حلب وحماة وإدلب.
إثر أي تصعيد تركي، تحاول «قسد» تحميل الحكومة السورية وروسيا مسؤولية حماية مناطق سيطرتها


في هذا الوقت، تتابع تركيا اعتداءاتها على الأراضي السورية، مستهدفةً عبر الطائرات المسيرة مواقع تسيطر عليها «قسد»، حيث طاول القصف بعض المواقع النفطية، الأمر الذي تسبّب بأزمة وقود. وفي المقابل، لم تتّخذ واشنطن، التي تنتشر في المنطقة وتقدّم الدعم لـ«قسد»، أي إجراءات حقيقية للحد من هذه الهجمات، بينما أعربت عن «القلق» إزاءها، مشيرة إلى أنها تعمل «عبر القنوات الديبلوماسية»، وفقاً لما نقلته وكالة «نورث برس»، التي يمولها «التحالف»، عن متحدث في الخارجية الأميركية، لم تذكر اسمه.
وضمن محاولات الحد من الهجمات التركية، زار وفد من «الإدارة الذاتية» التي تقودها «قسد» القاعدة الروسية في ريف القامشلي شمال سوريا، للمطالبة بوقف التصعيد التركي الأخير. وقال أحد أعضاء الوفد، كرديار دريعي، في تصريحات إعلامية، إن الزيارة تهدف إلى «مطالبة الجانب الروسي بالقيام بواجبه كدولة ضامنة، وتحمل مسؤولياته حيال الهجمات التركية عبر الطائرات المسيرة في مناطق شمال شرقي سوريا». ويأتي ذلك بعدما طلبت «الإدارة الذاتية»، خلال مؤتمر صحافي قبل أيام، من دمشق وموسكو و«التحالف الدولي»، التدخل لوقف هذا التصعيد، في إجراء أصبح روتينياً إثر أي تصعيد تركي، حيث تحاول «قسد» تحميل الحكومة السورية وروسيا مسؤولية حماية مناطق سيطرتها، بالتزامن مع محاولتها تمتين نفوذها وفرض «فيدرالية» بحكم الأمر الواقع، في ظل الدعم الأميركي المعلن والمستمر، حتى الآن، لهذا المشروع.