لليوم الـ 89 على التوالي، تستمرّ الحرب الإسرائيلية الهمجية على قطاع غزة، في ظل اشتداد المعارك بين المقاومة والعدوّ، في المنطقتين الوسطى والجنوبية من القطاع، مقابل تراجع حدّتها في الشمال، بعد انسحاب قوات الاحتلال من عدة أحياء في غرب مدينة غزة، ومنطقة الشاطئ، إضافة إلى مدينتَي جباليا وبيت لاهيا. وبات معلوماً أن الجيش الإسرائيلي بدأ الانتقال إلى ما يسمّى «المرحلة الثالثة» من الحرب، لكن ضمن حدود شمال غزة فقط، من دون إعلان ذلك رسمياً من قبل الجيش أو «كابينت الحرب». وبحسب شهود عيان، فإن أعداداً كبيرة من الفلسطينيين بدأت بالعودة إلى الشمال، من دون أن يتمكّن العدوّ من منعها، رغم قصفه المدفعي المتواصل، وغاراته الجوية، على قلّتها في الشمال.لكن، في المنطقتين الوسطى والجنوبية، لا تزال قوات الاحتلال تبذل جهوداً هجومية كبيرة، في محاولة للسيطرة على مخيمات البريج والمغازي والنصيرات بشكل خاص في الوسطى، ومدينة خانيونس، في الجنوب. وعلى الرغم من ذلك، تفيد المعطيات الميدانية بأنه لا تقدّم جدياً منذ أكثر من أسبوع، أحرزه العدو في خانيونس، بينما تمكنت قواته من التوغل في أطراف مخيم البريج، حيث تدور اشتباكات عنيفة مع المقاومين. وفي خضم هذه التطورات، أُعلن عن مقتل أسير إسرائيلي في غزة، خلال محاولة تحريره، الشهر الماضي، وعدم التمكّن من استرجاع جثته، إضافة إلى إصابة جنديين بجروح خطيرة ومقتل مستوطن.
ومع تنفيذ العدو عملية اغتيال نائب رئيس المكتب السياسي لحركة «حماس»، الشيخ صالح العاروري، أول من أمس في الضاحية الجنوبية لبيروت، مع مجموعة من «كتائب القسام» في لبنان، عادت الأنظار للتوجّه إلى احتمالات توسّع المعركة، وتحوّلها إلى حرب إقليمية متكملة العناصر، وخصوصاً أنه يُتوقّع أن تردّ المقاومة في لبنان على الاغتيال الذي تمّ في قلب الضاحية الجنوبية، مع ما يعنيه ذلك من خرق بالغ في قواعد الاشتباك، وتوسيع لرقعة النار الإسرائيلية على الأراضي اللبنانية. ولكن، لا يزال الأميركيون، كما يعلنون، غير راغبين في دخول المنطقة في صراع إقليمي واسع. وفي هذا السياق، قال منسّق الاتصالات الاستراتيجية في «مجلس الأمن القومي» الأميركي، جون كيربي، أمس، إن بلاده «لا تريد أن تتّسع الحرب بين إسرائيل وحماس في المنطقة»، مشيراً الى أنه «لم تكن لدينا أيّ علاقة من قريب أو بعيد بالهجوم الذي وقع في بيروت»، لكن واشنطن ستعمل على «الحفاظ على الوجود العسكري الأميركي في منطقة الشرق الأوسط».
سُجّل تراجع لافت في الخطاب الأميركي بخصوص العملية العسكرية في غزة


أما في ما يتعلّق بالعملية العسكرية نفسها في غزة، فقد سُجّل تراجع لافت في الخطاب الأميركي بخصوصها، حيث بدأت التوقعات بالتراجع، من هدف القضاء على «حماس» إلى إضعافها، والآن إلى «تفهّم» أنها ستبقى. وقال كيربي إن «الجيش الإسرائيلي يستطيع تقويض قدرة حماس على شن هجمات داخل إسرائيل»، لكن «حماس لا تزال لديها قدرات كبيرة في قطاع غزة». لكن الإشارة الأهم، كانت في تأكيد كيربي «أن الهجوم العسكري لن يقضي على فكر حماس»، مضيفاً: «نتقبّل فكرة أن حماس ستظلّ موجودة». ومع تداول معلومات أول من أمس، عقب اغتيال العاروري، عن توقّف المفاوضات حول تبادل الأسرى ووقف الحرب، أكّد كيربي أمس أن «محادثات الإفراج عن الرهائن من غزة جارية وبجدّية».
من جهتها، أكدت الخارجية الأميركية أن «ما نريد أن نراه في نهاية هذا الصراع هو أن نرى غزة والضفة الغربية تحت قيادة واحدة»، مشيرة إلى أن «تصريحات الوزيرين الإسرائيليين حول إعادة توطين سكان غزة تحريضية وغير مسؤولة»، في إشارة إلى وزير المالية بتسلئيل سموتريتش، ووزير «الأمن القومي» إيتمار بن غفير.
في المقابل، وجّه سموتريتش وبن غفير انتقادات للولايات المتحدة على خلفية موقفها من تصريحاتهما. ونقلت هيئة البث الإسرائيلية الرسمية عن سموتريتش قوله إن «أكثر من 70% من الجمهور الإسرائيلي يؤيّد حلاً إنسانياً لتشجيع الهجرة الطوعية لعرب غزة واستيعابهم في بلدان أخرى». وأضاف أن «المجتمع الإسرائيلي لن يوافق على استمرار هذا الواقع في غزة، نحن مطالبون بإعادة التفكير والمشاركة مع أصدقائنا في المجتمع الدولي». وزعم سموتريتش أن «مليون شخص في غزة يستيقظون كل صباح ويحملون رغبة في تدمير إسرائيل»، معتبراً أن «السياق سيكون مختلفاً إذا كان هناك 100 ألف أو 200 ألف عربي في غزة بدلاً من مليونين». بدوره، أكّد بن غفير أن «إسرائيل ليست نجمة أخرى على العلم الأميركي»، مضيفاً أن «الولايات المتحدة هي أفضل صديق لإسرائيل، ولكن قبل كل شيء سيفعل الإسرائيليون ما هو الأفضل لهم». ورأى أن «هجرة مئات الآلاف من القطاع ستسمح لسكان غلاف غزة بالعودة إلى ديارهم والعيش في أمان».