رغم أنّ العدو خبِر، على مدى العقود الماضية، حقيقة أن سياسة الاغتيالات التي انتهجها لا تغيّر كثيراً في جوهر مسيرة المقاومة، وأن هذه المسيرة ظلّت تتعزّز عقب كلّ عملية اغتيال، بدا واضحاً أنه بعد 88 يوماً من حرب الإبادة المتواصلة على قطاع غزة، والتي لم يفلح الاحتلال في تحصيل صورة نصرٍ واحدة فيها، لن يجد مناصاً من تصدير إخفاقه إلى الخارج، عبر اغتيال الشيخ صالح العاروري ورفاقه. ومع أن مخطّط اغتيال العاروري ليس جديداً، وهو يتصدّر العناوين منذ سنوات، وتَعزّز الحديث عنه منذ مطلع العام الفائت عقب تصاعد عمليات المقاومة في الضفة الغربية المحتلة، والتي تتّهمه إسرائيل بالمسؤولية عنها، قورن اغتياله إسرائيلياً باغتيال الأمين العام السابق لـ«حزب الله»، السيد عباس الموسوي، في عام 1992؛ إذ حقّق «بهجة كبيرة في إسرائيل»، سرعان ما بهتت عندما تسلّم الأمين العام الحالي للحزب، السيد حسن نصر الله، المنصب خلفاً له؛ إذ تبيّن «أن الشاب الذي تسلّم المنصب واسمه نصر الله، أكثر أهليّة وذكاءً وخطراً من سابقه»، وفقاً للمحلل السياسي لصحيفة «يديعوت أحرونوت»، ناحوم برنياع.في الإمكان الافتراض، وفقاً لبرنياع، أنه في منظومة الأمن «ابتهجوا من اغتيال العاروري؛ وهو أمر بديهي ومفهوم»، بناءً على جملة من الأسباب أوّلها أنه «أُغلق حساب الدم مع أحد المسؤولين عن مقتل مئات الإسرائيليين، وثانيها أن الاغتيال أثبت لقادة حماس أن الإعلان عن العودة إلى سياسة الاغتيالات جدّي وقابل للتنفيذ، وثالثها أن الرسالة من الاغتيال موجّهة إلى نصر الله ومفادها أنه حتى بعد السابع من أكتوبر، إسرائيل في إمكانها الدخول إلى "عقر بيته"، في قلب الضاحية، ورابعها أن هذه اللغة الوحيدة التي يفهمونها في الشرق الأوسط: إذا قدِم أحدهم لقتلك فسارع إلى قتله». لكن الاغتيالات الدقيقة «لا تقاس فقط بالضربة التي يتلقاها العدو». والسؤال وفقاً لبرنياع هو: «ما الذي يمكن أن يجرّه هذا الاغتيال على إسرائيل؟ وما هي التكلفة مقابل المنفعة؟». هنا، يعتبر المحلل أن «من قرر تصفية العاروري في بيروت توقّع أن يكون هناك رد فعل عنيف، سواء من حماس أو من حزب الله»، غير أنه «من بين كلّ ردود الفعل المحتملة لحماس، فإن أكثرها إثارة للقلق هو ما يتعلّق بالمختطفين الإسرائيليين». وخلافاً لأبواق إسرائيلية عديدة تردّد عادة ما ترغب في قوله المؤسستان الأمنية والسياسية، اعتبرت أن الاغتيال سيدفع نحو التوصل إلى صفقة تبادل، يرى برنياع أنه «لا أحد من أصحاب القرار في إسرائيل يعتقد أن التصفية ستخفّف من مواقف السنوار وتدفع نحو صفقة أخرى، هذه قصص نرويها لأنفسنا. والأرجح أن يؤدي الاغتيال إلى تأخير، وربما إلى نسف المفاوضات».
ويضيف برنياع أن «فرصة التوصل إلى صفقة كانت ضئيلة حتى قبل عملية الاغتيال المنفّذة في بيروت، ولكن في ما يتعلق بحياة المختطفين، فإن أي تأخير قد يكون حاسماً، وأي اغتيال قد يؤدي إلى اغتيال معاكس. ليس من المريح الاعتراف بذلك، ولكن قرار تنفيذ الاغتيال هو رهان على حياة المختطفين، ومع الوقت سيتضح ما إن كان هذا الرهان مبرراً». ويرجح أن تبادر حماس إلى «الانتقام» من طريق تنفيذ عمليات في الضفة والقدس، وعبر إطلاق الصواريخ والقذائف من قطاع غزة. أمّا رد «حزب الله»، فهو الآخر سيأتي «عاجلاً أم آجلاً»، في حين أن لدى الحزب «نطاق ردّ أوسع من الذي لدى حماس». ولا يستبعد أن يكون ردّ الأخير «مخالفاً لقواعد اللعبة الدائرة على الحدود ما قد يصل إلى حرب شاملة»، خاتماً بالقول إن اغتيال العاروري ورفاقه، سيؤثر في المدى المنظور على نشاط الحركة في لبنان، غير أنه «لن يغير الواقع، لأن حماس حركة كبيرة»، واستشهاد قادتها لم يؤثر فعلياً على مسيرتها.
«من بين كلّ ردود الفعل المحتملة لحماس، فإن أكثرها إثارة للقلق هو ما يتعلّق بالمختطفين الإسرائيليين»


من جهته، يلفت محلل الشؤون الاستخباراتية في الصحيفة نفسها، رونين برغمان، إلى أن إسرائيل كانت ضالعة في اغتيال قائد «فيلق القدس» الإيراني، قاسم سليماني، في العراق. ورغم أنه كان في الإمكان تنفيذ تلك العملية «بسهولة» في بيروت أو في دمشق، «تحسبت إسرائيل من اغتياله في الأخيرتين حتى لا يجر ذلك إلى ردود فعل قد تصل إلى حرب شاملة». وعليه، يرى أن اغتيال العاروري في بيروت يثبت أن إسرائيل «أخذت زمام المبادرة، مبديةً الاستعداد لتحمل المخاطر»، معتبراً أن الاغتيال أثبت أن «معلومات إسرائيل حول طهران وبيروت أفضل بكثير من معلوماتها حول غزة». ويرجّح المحلل المقرّب من الدوائر الاستخبارية والأمنية الإسرائيلية أن تجرّ العملية إلى ردّ فعل، ثمّ ردّ فعل إسرائيلي مضاد قد يفضي إلى تصعيد بالغٍ، مستدركاً بأنها قد تشكل «ردعاً وتحذيراً لجميع أعضاء المحور من مثل هذا التصعيد».
أمّا المحلل العسكري لصحيفة «معاريف»، طال ليف رام، فيشير إلى أن العاروري كان ذا «أهمية خاصة»، بصفته «قائداً للذراع العسكري لحماس في الضفة الغربية؛ إذ عرف كيف يربط جيداً بين خبرته الطويلة في الضفة وإسرائيل التي قضى في سجونها 15 عاماً كمعتقل إداري، وبين إنشاء علاقات مع الحرس الثوري وحزب الله لتعزيز التعاون بين الجانبين». ويرى أن السؤال المركزي بعد الاغتيال يتعلّق بردّ فعل «حزب الله»، الذي «سيحدّد عملياً ما إن كانت المعركة ستنتقل ضد الحزب، ليصبح لبنان هو الجبهة المركزية في الحرب الدائرة».