عشيّة وصول وزير الخارجية الأميركي، أنتوني بلينكن، إلى أنقرة، اليوم الجمعة، أَطلق وزير الخارجية التركي، حاقان فيدان، في لقاء موسّع مع الصحافيين الأتراك، مواقف في أكثر من اتجاه. وممّا قاله فيدان، إن بلاده «فعلت ما في وسعها» من أجل وقف إطلاق النار في قطاع غزة، وإنه كان عليها أن «تتّخذ مواقف حادّة من الحرب، لأن الرئيس فيها منتخَب من الشعب، وعليه أن يراعي مشاعره». وعن اغتيال القيادي في حركة «حماس»، صالح العاروري، في ضاحية بيروت الجنوبية، وما إذا كان ذلك مؤشراً إلى إمكانية اتّساع الصراع في المنطقة، اعتبر فيدان أن «الإسرائيليين يكبحون أنفسهم من أجل ألّا يَدخلوا في حرب مع لبنان. هذه الحرب هي طريق مسدود. وإذا حصلت، فمن الطبيعي ألّا تنتهي. بينما إذا كانت إسرائيل تريد السلام والحلّ، فعليها بحلّ الدولتين»، مضيفاً: «من الواضح أنه ليس صعباً أن ترى مسبقاً ما يمكن أن تكون عليه النتائج. وهذا ما فعلته إسرائيل في لبنان ولسان حالها: لم أضرب هدفاً لحزب الله ولا مسؤولاً في حزب الله. ولكنّني أطير فوق رؤوسكم وأتعقّبكم. هذه هي الرسالة التي أرادت إرسالها». وتابع: «ما هو ردّ فعل حزب الله؟ هل سيدخل في حرب شاملة مع إسرائيل أم يردّ بالمثل؟ ما يرد إلى الآن، أن حزب الله ضرب ثلاثة مواقع عسكرية. وهذا استمرار لِما يحصل منذ بداية الحرب. وهو لم يقم بعمل مختلف عمّا سبق».لكن اللافت في ما تقدَّم، أن فيدان لم يأتِ على ذكْر العاروري بالاسم، فيما الصحف التركية، ولا سيما تلك الموالية لـ«حزب العدالة والتنمية»، تجاهلت ليس فقط في عناوينها الرئيسة، بل حتى في صفحاتها الأولى ليوم الأربعاء، خبر اغتيال القيادي «الحمساوي»، إذ بالكاد ظهر كخبر ثانوي في صحيفتَين مواليتَين. وحدها صحيفة «ملّي غازيتيه» التابعة لـ«حزب السعادة» الإسلامي المعارض أبرزت الخبر، يومَي الأربعاء والخميس، في مفارقة تزداد دلالة بالنظر إلى كون العاروري ظلّ مقيماً لمدة في تركيا، ووضعت إسرائيل اسمه ضمن الأسماء التي أرادت من الأخيرة أن تبعدها عن أراضيها في إطار شروط التطبيع بين الطرفين قبل سنوات، فكان أن تنقّل بين أكثر من دولة، وصولاً إلى استقراره في لبنان. ولعلّ عدم إبراز جريمة إسرائيل هذه، يأتي في إطار عدم استثارة الجانب الإسرائيلي، حتى لا يتمّ ربط اسم تركيا بالدفاع عن أحد مخطّطي عملية «طوفان الأقصى».
وجاء كلّ ذلك في وقت توجَّه فيه انتقادات إلى السلطة بأنها تستخدم القضية الفلسطينية وسيلةً لحسابات داخلية. وفي هذا الإطار، جرى تسليط الضوء على الحملة الأمنية التي أطلقتها الشرطة التركية ضدّ عملاء لـ«الموساد»، في اليوم نفسه لاغتيال العاروري. وما لفت أيضاً، الإشارة إلى دور مهمّ لوزير الداخلية، علي يرلي قايا، كما لو أنه تحضير له ليكون أحد أبرز مرشّحي «العدالة والتنمية» لمنافسة مرشّح المعارضة، أكرم إمام أوغلو، على رئاسة بلدية إسطنبول. وكان «حزب العدالة والتنمية» دعا إلى تجمّع شعبي على جسر غلطة سراي في إسطنبول في اليوم الأول من العام الجديد، شارك فيه بضع عشرة آلاف، وتميّز بالخطاب الذي ألقاه خلاله بلال، ابن الرئيس التركي، وحضوره من قبل صهرَي الرئيس، الوزير السابق برات البيرق، زوج ابنته إسراء، وسلجوق بيرقدار، صاحب ومؤسّس شركة «بيرقدار» التي تنتج طائرات «بيرقدار» من دون طيار الشهيرة، وزوج ابنته الأخرى سميّة. وتحدّثت صحيفة «بركون»، في اليوم التالي، عن احتدام الصراع داخل البيت «الإردوغاني» بين الابن والصهرَين على مَن تكون له الغلبة لخلافة إردوغان عندما يحين وقت تقاعده. ووفقاً للصحيفة، فإن الهدف الرئيس من المهرجان، هو «استعراض كل واحد من هؤلاء عضلاته من بوابة فلسطين، خصوصاً عندما دعا بلال إردوغان إلى مقاطعة إسرائيل!».
فيدان: الإسرائيليون يكبحون أنفسهم من أجل ألّا يَدخلوا في حرب مع لبنان


في هذا الوقت، تتواصل الحملة على الحكومة من جانب بعض الكتّاب، الذين يتّهمونها بالازدواجية في التعامل مع إسرائيل؛ إذ إنه مع انتهاء العام الماضي، ظهرت الإحصائيات حول تصاعُد حجم التجارة بين تركيا وإسرائيل، وصولاً إلى الشهر الأخير منه، وذلك على رغم كلّ الخطابات المعادية للكيان في هذه الفترة من قِبَل «العدالة والتنمية». وبرزت في رأس قائمة الصادرات التركية التي ارتفع حجمها، منتجات الحديد والصلب والمواد الغذائية. ومع أن وزير التجارة، عمر بولات، أفاد، قبل شهر ونيف، بأن حجم التجارة مع إسرائيل، منذ السابع من تشرين الأول، تراجع بنسبة 50%، غير أن أرقام التجارة المعلنة، ومن وزارته بالذات، تكذّب ما تقدّم، حيث ارتفعت الصادرات التركية إلى إسرائيل من 319 مليون دولار في تشرين الثاني، إلى 430 مليوناً، أي بزيادة 35%، وخلال شهر واحد فقط، وهو رقم أعلى حتى من حجم الصادرات إلى إسرائيل في تموز الماضي، أي قبل عملية «طوفان الأقصى»، عندما بلغ 408.3 ملايين دولار. وفيما انتقدت صحيفة «قرار» المعارضة هذا الارتفاع، قال الكاتب إبراهيم قهوجي إن «النجاح» هنا في أنه على رغم المواقف المرتفعة السقف ضدّ إسرائيل، ترتفع في المقابل صادرات تركيا إليها، مضيفاً أن «مهرجان غلطة سراي يبدو كما لو أنه احتفال بزيادة الصادرات التركية إلى إسرائيل». وتساءل: «في وقت كان فيه بلال إردوغان يدعو إلى مقاطعة التجارة مع إسرائيل، لا أحد يعرف لماذا لا يوجّه هذا النداء إلى حكومة أبيه».