مع اقتراب الحرب على غزة من إتمام شهرها الثالث، يتعمّق المأزق الداخلي الذي يواجهه الرئيس الأميركي، جو بايدن، بعدما بات الأخير في موقع النقيض للكثير من محازبيه من «الجناح التقدّمي» في الحزب الديموقراطي، ومن موظّفيه في الإدارة على حدّ سواء، لجهة توفيره التغطية السياسية والدبلوماسية، فضلاً عن الدعم العسكري لتلك الحرب. ويأتي ذلك في ظلّ تكرار «معزوفة» الاتهامات لحركة «حماس» باستخدام مستشفى «الشفاء» كمقرّ للقيادة والسيطرة، إضافةً إلى تكريس «صلاحيات الطوارئ» المعطاة للبيت الأبيض في تجاوز الدور الرقابي للكونغرس، للمرّة الثانية خلال شهر، من خلال الإعلان عن تزويد إسرائيل بكميات إضافية من ذخائر «M107» عيار 155 ملم، والمعدّات ذات الصلة، بقيمة تُقدَّر بحوالى 150 مليون دولار.
غزة تعصف بالإدارة والحزب
وفي مؤشّر إلى الارتدادات العكسية لسياسة بايدن على كل من الحزب والإدارة، بدأ نواب ديموقراطيون الإعراب عن خشيتهم، وإنْ خلف الكواليس، من تبعات سلبية قد تترتّب على تراجع حظوظ حزبهم في الرئاسة والكونغرس في الانتخابات المرتقبة نهاية العام الجاري. حتى إن بعضهم، من مثل النائب الديموقراطي عن ولاية تكساس، كولين آلريد، بدأوا في التفكير في إدارة حملاتهم الانتخابية على أساس عناوين محلّية خاصة بولاياتهم، والسعي إلى النأي بأنفسهم عن «قاطرة الرئيس». ويأتي هذا وسط تنامي الخشية في أوساط «الديموقراطي» من احتمال عودة دونالد ترامب إلى سدّة الرئاسة، على رغم أن استراتيجيين في الحزب لا يزالون يستبعدون إمكانية حصول سيناريو مماثل.
وكما هو الحال على مستوى الحزب، كذلك هو على مستوى الإدارة، على وقع اتّساع نطاق السخط الداخلي ضدّ نهج بايدن في الأسابيع الأخيرة. فمن رسالة اعتراض ضدّ سياسة البيت الأبيض حيال غزة، بعث بها 500 موظّف في نحو 40 وكالة وهيئة حكومية أميركية، في تشرين الثاني الماضي، مروراً بتوقيع رسالة مشابهة لاحقة من قِبَل المئات من ناشطي حملة بايدن الرئاسية لعام 2020، ومن المتدرّبين الحاليين العاملين في مؤسّسة الرئاسة، وصولاً إلى عريضة احتجاجية أخرى وجّهها موظّفون عاملون في الكونغرس إلى رؤسائهم على الخلفية نفسها، تَتابع مسلسل التمرد، لتتجلى آخر حلقاته في دعوة نحو 17 شخصاً من فريق الحملة الرئاسية الحالية الخاصة ببايدن، خلال الساعات الماضية، إلى إقرار «وقف دائم لإطلاق النار» في غزة، و»إنهاء الدعم العسكري غير المشروط لإسرائيل»، في موازاة الدفع نحو «إطلاق سراح الأسرى» لدى فصائل المقاومة الفلسطينية.

رسالة اعتراضية واستقالة

الرسالة المذكورة، والتي قالت صحيفة «واشنطن بوست» إنها تُعدّ «أحدث مثال على الخلافات المتنامية ليس فقط داخل الحزب الديموقراطي، بل في قلب إدارة بايدن، حملت لهجة نقدية قاسية لسياسات الرئيس، إذ ندّدت بـ»التواطؤ في مقتل أكثر من 20 ألف فلسطيني، من بينهم 8200 طفل»، باعتباره «أمراً لا يمكن تبريره». وتوجّهت الرسالة المسرّبة في وسائل إعلام أميركية، والتي لم يُكشف عن هوية الموقّعين عليها، إلى بايدن بالقول إن ثمّة «دواعيَ أخلاقية، واعتبارات انتخابية يتعيّن عليك مراعاتها، بحيث تحتّم عليك الدعوة بصورة علنية إلى وقف العنف» في القطاع. وممّا جاء في نصها أيضاً أنه «لا يكفي أن تَطرح نفسك كمرشّح منافس، وبديل لترامب، فيما يتعيّن على الحملة الرئاسية أن تعمل على تغيير مزاج الناخبين (حيال بايدن)، والاستجابة لما يدور في خلدهم... وإن السبيل الوحيد لتحقيق ذلك، يتمثّل في الدعوة إلى وقف إطلاق النار» في الأراضي المحتلّة.
أعرب نواب ديموقراطيون عن خشيتهم من تبعات سلبية قد تترتب على تراجع حظوظ حزبهم في الرئاسة والكونغرس


ونقل موقع «بوليتيكو» عن أحد الموقّعين تشديده على أن اكتفاء الإدارة الأميركية بمناشدة الجانب الإسرائيلي تركيزَ حملة قصفه على غزة، بصورة أدقّ، لاعتبارات «إنسانية»، ورفضها، في الوقت نفسه، مطالبة تل أبيب بوقف إطلاق النار، يمكن أن يتركا آثارهما على وضعية بايدن في الانتخابات الرئاسية المقبلة، ويجعلا الأخير يبدو في حالة من «الانفصام». واستدرك بأن الرئيس، في حال دعا إلى تأييد الجهود الرامية إلى وقف إطلاق النار، «سيضع الأمور في نصابها الصحيح، ويُظهر للعالم أيّ نوع من الرجال هو». وتابع الموقع، نقلاً عن مصدر آخر، وقّع على الرسالة، قوله: «(إنّنا) قد وصلنا إلى نقطة اللاعودة، ذلك أن التصويت لمصلحة الرئيس يصبح أكثر صعوبة، كلّما شعر الناخبون بخيبة أمل كبيرة بسبب تعامله مع الصراع»، مؤكداً أن أعداد المستقيلين من الحملة كبير. ولفت الموقع إلى أن الموقّعين متمسّكون بتفاؤلهم بأن يعمد بايدن إلى» تعديل نهجه»، إذ يحلو للمصدر نفسه، أسوة بزملاء له، أن يستذكر خطاباً كان قد ألقاه الرئيس في عام 2021، خلال حفل افتتاح مركز لحقوق الإنسان في جامعة كونيتيكت، اعتبر فيه أن «التزام الصمت إزاء (انتهاكات) حقوق الإنسان يجعلك متواطئاً في ارتكابها».
وفي حدث هو الثاني من نوعه منذ السابع من أكتوبر، أعلن مسؤول في وزارة التعليم الأميركية تقديم استقالته، معلّلاً قراره بعدم رغبته في أن يبقى صامتاً على تواطؤ إدارته في الفظائع المرتكبة ضدّ الأبرياء في غزة. ودعا طارق حبش، المعني بملفّ إصلاح نظام القروض الطالبية ومعالجة عدم المساواة في وزارة التعليم العالي، والذي سبق له أن عمل في حملة بايدن الانتخابية عام 2020، في خطاب استقالته، الوزارة إلى صون حقوق المتضامنين مع الفلسطينيين في المؤسسات التعليمية الأميركية، في إشارة إلى استنكاره حملة القمع ضدّهم في الجامعات.