رام الله | يبدو أنّ إسرائيل لا تجد أفضل من الوقت الحالي لتمرير قوانينها العنصرية كافة، وتصعيد عدوانها الانتقامي ضدّ الفلسطينيين، وتحديداً عبر تكريس احتلالها العسكري للضفة الغربية المحتلّة، ومواصلة خنق فلسطينيّي الداخل المحتل، والذين تتّسع دائرة استهدافهم يوماً بعد يوم. ويأتي ذلك تصعيداً لسياسات متقادمة استهدفت هؤلاء - توازياً مع سعي دولة الاحتلال إلى سلبهم هويتهم الوطنية وسلخهم عن شعبهم وقضيتهم -، بعشرات القرارات والقوانين العنصرية والعقوبات الهائلة، بهدف جعلهم «مواطنين» من الدرجة الثانية أو الثالثة، من دون إسقاطهم - في الوقت نفسه - من مخطّطات التهجير والطرد. لا بل إن إسرائيل تعتقد أن أكبر أخطائها أنها لم تقُم بعملية تطهير عرقي كاملة بحق الفلسطينيين في عام 1948، وهو ما تسعى إلى «تصحيحه» الآن.وفي هذا السياق، قدّم نواب يمينيون في «الكنيست» الإسرائيلي تعديلاً لقانون «المواطنة» يقضي بترحيل كلّ فلسطيني يحمل الهوية أو الجنسية الإسرائيلية وإبعاده، وأدين بتهم توصف بـ«الإرهابية». ورغم أن ذلك التعديل لا يزال مجرّد كلام على الورق، إلّا أن فرصة تمريره تبدو عالية في ظلّ حكومة فاشية لا توفّر أيّ وسيلة انتقام من الفلسطينيين بعد ضربة 7 أكتوبر. وسيطال القرار، في حال إقراره، مئات الفلسطينيين القاطنين داخل الخط الأخضر والقدس المحتلة، علماً أنه كان قد بدأ الحديث عنه منذ الإفراج عن الأسيرَين ماهر يونس وابن عمه كريم يونس من منطقة وادي عارة، اللذين أمضيا أكثر من 40 عاماً في سجون الاحتلال، و«أدينا» بالتسبّب في قتل إسرائيليين. وإذ يُتوقّع الإفراج عن عدد من أسرى الداخل المحتل في حال إبرام صفقة تبادل إضافية مع المقاومة، فإن ما يتمّ الدفع به حالياً يفسّر علوّ بعض الأصوات الفلسطينية خلال الهدنة الماضية، برفض شمول صفقة التبادل الإنسانية أيّ أسيرة من الداخل المحتل، كي لا تستغلّها إسرائيل لملاحقتها لاحقاً.
وستتيح التعديلات الجديدة، في حال التصديق عليها، لوزير الداخلية، مصادرة حق «المواطنة»، وطرد كلّ شخص أدين بـ«الإرهاب»، سواءً أكان في السجن حالياً أم أنه تحرّر وأنهى محكوميته. وكان «الكنيست» قد صدّق، قبل نحو عام، على قانون يلزم وزير الداخلية سحب الجنسية أو الإقامة من الأسرى، ومن تدّعي سلطات الاحتلال ممارستهم «نشاطات إرهابية» ويسكنون «داخل حدود إسرائيل»، ويتلقون الأموال من السلطة الفلسطينية. كما تشنّ إسرائيل، بين حين وآخر، حملات لمصادرة أموال الأسرى المحرّرين في القدس والداخل المحتل وممتلكاتهم، طالت المئات من هؤلاء، واستُولي فيها على مئات آلاف الدولارات الخاصة بهم، وأُغلقت عقبها حساباتهم البنكية.
تحظى التعديلات المقترحة بدعم من أقطاب اليمين وأنصارهم


وتحظى التعديلات المقترحة بدعم من أقطاب اليمين وأنصارهم، فيما اعتبرتها الإذاعة العبرية خطوة مهمة على طريق طرد مئات «المخربين» مستقبلاً، والعشرات في الأشهر القريبة، مشيرةً إلى أن ثمانية من هؤلاء سيكونون «المطرودين الأوائل». وصدر، حديثاً، تقرير «سلطة مكافحة الإرهاب»، والذي سيحدّد، بحسب الإذاعة نفسها، بناءً على معلومات استخباراتية، من يتلقّى أموالاً من السلطة. وأضافت: «قبل عملية طرد الفلسطينيين المستهدفين إلى الضفة الغربية، هناك إجراءات إضافية أقلّ تعقيداً يجب إنجازها، ولكن سيحتاج الأمر وقتاً حتى يتم طردهم جميعاً»، متابعةً أن «الكرة باتت الآن في ملعب وزير الداخلية، موشيه أربيل، للمضيّ قُدُماً في الخطوة التالية».
كذلك، نقلت عن عضو لجنة الخارجية والأمن وأحد المبادرين إلى سنّ القانون، عميت هليفي، قوله إنه «لا يعقل أن شخصاً في دولة إسرائيل، يحمل من ناحية، جنسية الدولة أو إقامة في الدولة، وفي الوقت ذاته يكون شريكاً في عمليات إرهابية وحشية ضدها». وأضاف هليفي أن «هذا الأمر يجب أن يتوقّف، وأنا مسرور بأن المعلومات التي كانت مطلوبة من أجل تطبيق القانون الذي مرّرناه قبل نحو عام وصلت. وعليه، يمكن لوزير الداخلية ابتداءً من صباح الغد أن يسحب من مئات الإرهابيين الموجودين في السجن وأولئك الذين تمّ تحريرهم، جنسياتهم الإسرائيلية أو إقاماتهم، ويطردهم إلى خارج دولة إسرائيل». وأفادت صحيفة «إسرائيل هيوم»، بدورها، بتسليم عضوَي «الكنيست»، عميت هاليفي وأوفير كاتس، لوزير الداخلية، قائمة تتضمن أسماء نحو 450 أسيراً فلسطينياً يحملون الجنسية الإسرائيلية، ويتلقون رواتب من السلطة الفلسطينية.
هكذا، وعلى غرار تشريعها، خلال السنوات السابقة، عشرات القرارات والقوانين لسرقة أراضي الفلسطينيين وتعزيز الاستيطان (أملاك الغائب، المحميات الطبيعية، مناطق عسكرية مغلقة... إلخ)، تتوسّع إسرائيل، اليوم، في القوانين الهادفة إلى تهجير الفلسطينيّين، بعد أن شرعت، عام 2010، في سحب المواطنة من آلاف العرب في النقب، تحت حجج مختلفة، واستبدال الجنسية بوثيقة إقامة. وفي هذا السياق، قدم وزير الداخلية الإسرائيلي، في تشرين الثاني الماضي، مذكرة قانون تسمح بسحب الإقامة والجنسية من «مواطنين» إسرائيليين بدعوى «التحريض على الإرهاب أو التعبير عن دعم الإرهاب في وقت الحرب»، وتتيح إسقاط أو سحب المواطنة أو الإقامة بإجراء قضائي في حالات خاصة، تتعلّق بـ«الخيانة» أو «دعم الإرهاب» أو «الانتماء إلى منظمة إرهابية والتحريض على الإرهاب». وتركّز المذكرة (مسودة أولية للقانون يتمّ توزيعها على الجمهور والوزارات الحكومية للتعليق عليها قبل صياغة المسودة النهائية التي تُطرح للتصويت على الكنيست) على استهداف من «حرّضوا على الإرهاب أو أعربوا عن دعم منظمة إرهابية»، خصوصاً في «الفترة التي يتمّ الإعلان فيها عن حالة خاصة في الجبهة الداخلية».
يُذكر أن سلطات الاحتلال شنّت، منذ بدء العدوان على غزة، حملة ملاحقة واسعة شملت اعتقال نحو 103 أشخاص من فلسطينيي الداخل، فيما قدّمت لوائح اتهام ضد 44 شخصاً بزعم «التحريض على الإرهاب» و«دعم منظمة إرهابية».