بغداد | منذ أكثر من عقدين، يفتقر العراق إلى منظومة دفاع جوّي حديثة تتصدّى للخروقات والهجمات الجوية التي تنفّذها طائرات مسيّرة، معظمها أميركية، وأحدثها استهدف مواقع أمنية تابعة لـ»الحشد الشعبي». ولم يستطع العراق الحصول على منظومات دفاع جوي طويلة المدى، نتيجة هيمنة الولايات المتحدة وعرقلتها صفقات شراء أعلنت عنها وزارة الدفاع العراقية قبل ثلاث سنوات، للحصول على رادارات من روسيا وفرنسا. وتفيد مصادر في الحكومة العراقية بأن المساعي للحصول على منظومات دفاع جوي من فرنسا تعثّرت قبل أشهر، مبيّنةً أن رئيس الحكومة، محمد شياع السوداني، عقد ثلاثة اجتماعات مع مسؤولين غربيين، خلال عام 2023، لكنها لم تفضِ إلى تفاهمات جدّية، على خلفية رفض واشنطن حصول بغداد على هذه المنظومات من دون موافقتها. وفي تموز من عام 2022، كشفت وزارة الدفاع عن تعاقدها مع شركات فرنسية وروسية للحصول على رادارات حديثة للكشف العالي والمتوسط والمنخفض، وذلك ضمن خططها لتقوية دفاعاتها الجوية في عموم محافظات البلاد، غير أنها سرعان ما واجهت اعتراضاً أميركياً، طبقاً لِما صرّح به أعضاء في لجنة الأمن والدفاع النيابية.وبسبب عدم وجود منظومات رصد جوية، دائماً ما يواجه العراق حرجاً وصعوبة في تحديد هوية الجهات التي تشنّ هجمات في مختلف محافظات البلاد، فيما أكد وزير الدفاع العراقي السابق، جمعة عناد، قبل أكثر من عام، نصب منظومة رادارية بعيدة المدى من نوع «TBS77» بالتعاقد مع شركة أميركية لكشف الأهداف الجوية المعادية للبلاد، إلا أنها، بحسب مصادر أمنية، لم تفعّل منذ وقت الإعلان عنها. وفي هذا الإطار، يشير مصدر في قيادة الدفاع الجوي، في تصريح إلى «الأخبار»، إلى الأسباب التي حالت دون حصول العراق على منظومات لحماية أجوائه، وأبرزها الفساد المستشري والصفقات الوهمية داخل وزارة الدفاع بمئات المليارات، وكذلك التدخّل الخارجي، وخاصة الأميركي. وتبيّن المصادر أن منظومة الدفاع الجوي العراقية لا تغطّي جميع مساحات البلاد، إذ إن قدراتها محدودة، وتعمل منذ أيام النظام السابق. أمّا الحديثة، وهي منظومة متوسطة المدى من شركة «تالس» الفرنسية، «فتعمل، لكنها ليست بالمستوى المطلوب، ولا سيما أن طقس العراق متغير دائماً وممطر، وهذا ربّما سبّب لنا مشاكل في عمل دفاعاتنا الجوية». وفي ما يتعلّق بسيطرة الولايات المتحدة على الأجواء العراقية، تقول المصادر إنه «من دون شكّ، القوات الأميركية لها سطوة كبيرة على المؤسسة الأمنية والعسكرية العراقية، وخاصة لجهة سيطرتها على السيادة الجوية، وهذا كله يتمّ بعلم الحكومة».
دائماً ما يواجه العراق حرجاً وصعوبة في تحديد هويّة الجهات التي تشنّ هجمات


وكان رئيس خلية الإعلام الأمني، اللواء تحسين الخفاجي، قد أعلن أن العراق ذاهب نحو الحصول على رادارات وأسلحة أرض جو متطوّرة جداً، وتجهيزات فنية تستطيع أن تميّز وتحدّد وتشخص حركة الطائرات وكل الأجسام الغربية التي تدخل الفضاء العراقي. وأكد أن القائد العام للقوات المسلحة، محمد شياع السوداني، يسعى إلى تطوير منظومة الدفاعات من خلال التعاقد مع شركات متطوّرة في هذا المجال، فضلاً عن حرصه على حماية وتعزيز قدرات العراق العسكرية والجوية.
لكن اللواء السابق في الجيش العراقي، الناطق العسكري باسم حكومة عادل عبد المهدي (2018-2019)، عبد الكريم خلف، يرى أن «منظومة الدفاع الجوي ليست منظومة سهلة، بل تحتاج إلى مليارات الدولارات. العراق في زمن العبادي تعاقد على منظومة إس-400 مع الروس، الذين وافقوا على الصفقة التي وصلت إلى مراحل متقدّمة، لكن الجانب الأميركي اعترض ودخل على الخط وأوقف الصفقة». ويضيف خلف، في تصريح إلى «الأخبار»، أن «العراق مقيّد بكثير من الأمور. إس-400 أسلحة فعالة تستطيع إسقاط الطائرات الأميركية بسهولة، ولديها قدرات وإمكانات تقنية عالية جداً مدياتها تصل إلى 400 كيلومتر... تستطيع ملاحقة الأهداف بمختلف المديات. وأوقفت الصفقة بضغط من الأميركيين». ويتابع الفريق الركن السابق في الجيش أن «العراق يريد... لكن هو ليس تركيا. تركيا الآن أيضاً تعاقدت على منظومات إس-400 وأخذتها مع أنها عضو في حلف الناتو، وتعرّضت لما تعرّضت له من جانب الأميركيين، الذين أسقطوا العملة التركية وفعلوا الكثير حتى توقف الصفقة، لكنها استمرّت. نحن نحتاج إلى قرار سياسي في هذا الأمر».
من جهته، يشير الخبير الأمني، مخلد حازم، إلى أن السبب وراء عدم السيطرة على الأجواء العراقية، يعود إلى «قلّة الرادارات»، مبيّناً أن السبب الآخر هو السيطرة الأميركية على الأجواء. ويضيف أنه «لهذه اللحظة، الدفاع الجوي غير مكتمل في جميع فروعه وليس فقط الرادارات، وهذا ما يعيق سيطرة الدولة على أجوائها». ووفق الخبير، فإن الطائرات التي تطير في الأجواء العراقية «تستعين ببعض الرادارات الموجودة في المطارات المدنية، وفي بعض الأحيان الرادارات الموجودة لدينا لا تتناسب مع حجم التهديد الذي يواجهه العراق، هذا ما يجعل الأهداف تدخل إلى الأجواء العراقية، وخصوصاً من الجانب الأميركي».