صنعاء | على رغم تصاعد التهديدات الأميركية بتوجيه ضربات إلى اليمن، إلّا أن مخاوف الولايات المتحدة من ارتداد أيّ تصعيد في البحر الأحمر على اقتصادها وعلى استقرار سوق الطاقة، باتت واضحة، وهو ما يدفعها إلى التحفّظ في إجراءاتها في تلك المنطقة. فمنذ نحو أسبوع، تتجنب البحرية الأميركية الاحتكاك مع القوات اليمنية في البحر الأحمر، كما أنها تتفادى اعتراض أيّ صواريخ يمنية تطلَق على السفن المتّجهة إلى الموانئ الفلسطينية المحتلة، وهو ما حدث مع السفينة «CMA CGM TAGE»، في الثالث من الشهر الجاري، إذ استهدفتها قوات صنعاء بعدد من الصواريخ البحرية المناسبة، بعد رفضها الاستجابة للنداءات التحذيرية. كذلك، استبعدت الولايات المتحدة، أوّل من أمس، بوارجها من العمليات العسكرية في البحر الأحمر، واستبدلت بها دوريات بحرية على متن قوارب سريعة، أُنزلت من المدمّرة «يو إس إس مايسون»، وفقاً لما نشرته صفحة «فرقة العمل المشتركة» التابعة للأسطول الخامس الأميركي.ويرى خبراء عسكريون في صنعاء، أن هذه الخطوة تعكس مخاوف واشنطن من تعرّض بوارجها للاستهداف، عادّين إياها تكتيكاً عسكرياً جديداً يُراد منه تخفيف الخسائر في حال حدوث مصادمات مع القوات اليمنية. ويلفت هؤلاء إلى أن الخطوة الأميركية جاءت بعد دخول القوارب اليمنية المسيّرة المفخّخة، المعركة في البحر الأحمر، للمرّة الأولى، مطلع الأسبوع الجاري. وكانت القيادة المركزية الأميركية أعلنت، السبت، تعرّض بارجتها «يو إس إس لابون» لهجوم بمسيّرة أثناء عبورها البحر الأحمر، وأنها تصدّت للمسيّرة في إطار «الدفاع عن النفس». وسبق أن تلقّت صنعاء اتصالات إقليمية ودولية لثنيها عن الردّ على استشهاد عشرة من منتسبي قواتها البحرية بالنيران الأميركية، تحت ذريعة تجنيب الملاحة الدولية مخاطر التصعيد. إلا أن نائب وزير الخارجية في حكومة الإنقاذ، حسين العزي، أكد أن «الرد اليمني على ذلك الاعتداء حتمي وحق طبيعي»، مضيفاً، في منشور على «أكس»، أن «واشنطن سيكون بمقدورها أن تختار التهدئة أو الحرب في البحر الأحمر، بعد الردّ على اعتداء قواتها على البحرية اليمنية».
وفي الاتجاه نفسه، يؤكد عضو المكتب السياسي لحركة «أنصار الله»، علي القحوم، لـ«الأخبار»، أن «الردّ سيكون أكبر من توقعات واشنطن، عمّا قريب». ويشير القحوم إلى أن «كل التهديدات الأميركية والبريطانية فشلت في إثناء اليمن عن التراجع عن موقفه المساند للشعب الفلسطيني ومقاومته»، مضيفاً أن «العدوان الأميركي على القوات البحرية فتح المعركة على أوسع أبوابها، وعليهم تحمل تبعات ذلك العمل». ويلفت، في هذا الإطار، إلى أن «اجتماع رئيس المجلس السياسي الأعلى، مهدي المشاط، مع وزير الدفاع في حكومة صنعاء وقادة المناطق العسكرية والتشكيلات العسكرية الأخرى وقيادة القوات البحرية وخفر السواحل في مدينة الحديدة، حمل رسالة تحدٍّ، وأكد جهوزيّة قوات صنعاء للردّ».
استبعدت الولايات المتحدة بوارجها من العمليات العسكرية في البحر الأحمر


وكان المشاط توعّد، في اجتماع عسكري رفيع السبت، دشّن خلاله معركة «الفتح الموعود والجهاد المقدس»، بـ«ردّ مزلزل على الاعتداء الأميركي»، مؤكداً، في خطاب بثّته القنوات الرسمية، أن «هذه المعركة التي بدأها الأميركي في البحر الأحمر في سبيل سعيه لحماية إسرائيل، لن يستطيع إغلاقها على المدى القريب». وجدّد المشاط، الذي ظهر مرتدياً البزة العسكرية، «ثبات موقف اليمن المساند للشعب الفلسطيني مهما كان الثمن»، مكرّراً القول إن «الخيار الوحيد أمام الأميركي والبريطاني ومن تحالف معهما، وقف الحرب في قطاع غزة وإدخال المساعدات الكافية لسكان القطاع من دون قيد أو شرط». كما اشترط «تسليم مرتكبي جريمة الاعتداء» على القوات البحرية اليمنية «لمحاكمتهم أمام المحاكم اليمنية»، تحت طائلة «انتظار الردّ، وهو قادم لا محالة».
من جهته، طالب عضو «المجلس السياسي الأعلى»، محمد علي الحوثي، شركات الملاحة الدولية برفع شعار «لا علاقة لنا بإسرائيل» في أجهزة التعارف الخاصة بها، معتبراً «الوقوف ضدّ قرار منع مرور السفن المتّجهة إلى موانئ الكيان»، «محاولة لحماية إسرائيل ومنحها الضوء الأخضر لارتكاب المزيد من جرائم الإبادة الجماعية بحق الفلسطينيين». وفي منشور على «إكس»، اتّهم الحوثي، الولايات المتحدة وبريطانيا، بـ«عسكرة البحر الأحمر، وابتزاز بعض الشركات الملاحية الدولية التي غيّرت مسارها نحو طريق الرجاء الصالح»، بهدف تصعيد الضغوط الدولية على صنعاء لوقف إجراءاتها، وهو ما تسبّب بارتفاع رسوم الشحن الدولي بنسبة 273% على المستوى العالمي.
وكان وزير الخارجية الأميركي، أنتوني بلينكن، اتهم صنعاء، في جولته الجارية في المنطقة، بالتسبب بأزمة شحن دولية، مشيراً إلى أن عمليات القوات اليمنية أدت إلى تراجع الشحن البحري بنسبة 20%، مؤكداً التزام بلاده بـ«الدفاع عن ممرات الملاحة في البحر الأحمر». وفي ردّه على تلك التصريحات، اعتبر المتحدث باسم حركة «أنصار الله»، محمد عبد السلام، «تصريحات المسؤولين الأميركيين، محاولة لصرف الأنظار عن المذابح الإسرائيلية بحق أهل غزة»، محذراً، في حسابه على «أكس»، من أن «إصرار واشنطن على الذهاب بعيداً في دعم إسرائيل ضد غزة من شأنه تفجير الوضع في المنطقة».
وبحسب المعلومات الصادرة عن صنعاء، فإن السفن التي تمّ اعتراضها لا تتجاوز 1.2% من إجمالي السفن التي عبرت البحر الأحمر. وفي حين تعرضت 17 سفينة كانت متّجهة إلى الموانئ المحتلة لهجمات، مرّت أكثر من 1450 سفينة، الشهر الفائت، من دون اعتراض. وتؤكد مصادر ملاحية في العاصمة، لـ«الأخبار»، أن «إمدادات الغاز القادم من قطر إلى الأسواق الأوروبية تمرّ بشكل يومي من دون اعتراض، شأنها شأن إمدادات الطاقة التي تمرّ من البحر الأحمر». يُذكر أن شركة الشحن الصينية «كوسكو» أعلنت، الأحد، وقف عمليات الشحن إلى إسرائيل، لتصبح بذلك رابع شركة صينية تقْدم على هكذا خطوة. وبينما أكدت شركة «سي إم ايه - سي جي أم» الفرنسية عدم تغيير مسار سفنها عبر البحر الأحمر، أعلنت «ميرسك» تحويل مسارها نحو «الرجاء الصالح» نزولاً عند الضغوط الأميركية.