بدأت تتشكّل في إسرائيل، منذ نهاية الشهر الماضي، إرهاصات تقاطع الحَراك المُطالب بإطلاق سراح المختطفين، وذلك السياسي المناهض للحكومة. وخرجت ثلاث تظاهرات، آخرها صباح أمس - لم تحظَ بالتغطية الكافية في الإعلام العبري -، للمطالبة بانتخابات فورية، واستقالة رئيس الحكومة، بنيامين نتنياهو، وإطلاق سراح المختطفين. والتظاهرة التي فضّتها الشرطة الإسرائيلية بالقوّة، أمس، بعدما أَغلق المشاركون فيها مدخل الكنيست، بادرت إليها حركة «تغيّر الاتجاه»، وائتلاف «الانتخابات فوراً (الآن)» وعدد من عائلات قتلى «طوفان الأقصى»، وذوو الأسرى.ونقلت صحيفة «هآرتس» عن إحدى المشاركات في التظاهرة، قولها إنه «لا يعقل أنه بعد 15 عاماً في الحكم الذي أوصلنا إلى هذه الكارثة، أن تواصل الحكومة عملها في السلطة؛ فهذه حكومة غير قادرة على القيام بمهامها ويسيطر عليها متطرّفون»، فيما قال محتجّ آخر: «لا أستوعب عناصر الشرطة الذين قُتل 60 من زملائهم، كيف بإمكانهم بعد ذلك حماية حكم الفاسدين؟ لقد قدّمنا خلال سنوات كثيرة كل شيء من أجل الدولة، ونحن على استعداد لمنحها كل شيء، باستثناء الحماية لهؤلاء الفاسدين». وأكد منظّمو التظاهرة، وفق ما نقله موقع «واينت»، أن «آمالنا في أن ترتقي الحكومة إلى حجم حالة الطوارئ قد تحطّمت، في ظلّ أدائها الفاشل الذي انعكس من خلال عجزها عن القيام بمهامها، وتخلّيها عن المختطفين والتسبّب بضرر لصورة الدولة في العالم، واستمرارها في التحريض ضدّ سكان إسرائيل بمختلف شرائحهم والتفريق بينهم، وتحويل الميزانيات لخدمة مصالح شخصية على حساب عامّة الجمهور».
هذا الحراك السياسي الآخذ في التشكّل، يتقاطع أيضاً مع دعوات المعارضة الرسمية إلى إجراء انتخابات مبكرة وإطاحة الحكومة، وفق ما طالب به كل من رئيس «هناك مستقبل»، يائير لبيد، وزعيم حزب «إسرائيل بيتنا»، أفيغدور ليبرمان، في موازاة تصاعُد الضغوط على رئيس كتلة «المعسكر الوطني»، بيني غانتس، وزميله غادي آيزنكوت، للانسحاب من حكومة «الوحدة» التي انضمّا إليها بداية الحرب. وتصاعدت هذه الدعوات، على إثر الهجوم الكاسح على رئيس هيئة الأركان، هرتسي هليفي، في جلسة اجتماع «الكابينت» الأخيرة، والتي أُعدّت لمناقشة «اليوم التالي»، وفضّها نتنياهو بعد ثلاث ساعات ونصف ساعة من المشاحنات بين الوزراء وهليفي، على خلفية إعلان الأخير تشكيل لجنة تحقيق لتقييم أداء الجيش، يرأسها شاؤول موفاز، الذي يَعدّه التيار الصهيوني الديني «الأب المؤسّس» لخطة فك الارتباط والانسحاب من غزة عام 2005، والتي فُكّكت على إثرها المستوطنات الإسرائيلية في القطاع.
الحراك السياسي الاحتجاجي الآخذ في التشكّل، يتقاطع مع دعوات المعارضة إلى إجراء انتخابات مبكرة وإطاحة الحكومة


ما تقدّم، يعكس الخلافات الإسرائيلية المتفاقمة على مختلف المستويات، في وقت تستمر فيه استطلاعات الرأي التي تبيّن تراجع شعبية حزب «الليكود» وزعيمه نتنياهو، فضلاً عن تراجع الائتلاف الحاكم وخسارته ما بين 15-20 مقعداً، وفق أحدث استطلاع نشرت نتائجه «كان 11». وفي هذا الإطار، رأى الصحافي والكاتب في صحيفة «معاريف»، أفرايم غانور، أنه «في الأسبوع نفسه من مهاجمة الائتلاف لقرارات المحكمة العليا (والتي عدّها الكاتب خدمة للأعداء، لأنها أتت في هذا التوقيت بالذات)، اجتمع رعاة الوحدة أنفسهم في المجلس الوزاري للشؤون الأمنية والسياسية، وأثبتوا لنا الأمر المعروف سلفاً، وهو أن التركيبة الحكومية الحالية هي الأسوأ في تاريخ حكومات إسرائيل»، لأنها «أثبتت أنها حكومة منفصلة عن الواقع، واحتياجات المواطنين والدولة... أثبتت أنها حكومة تركّز اهتمامها على أمر وحيد: البقاء والصمود في اليوم التالي للحرب». وأشار غانور، إلى أن هذا الصراع من أجل البقاء السياسي «ثبت في كل خطوة أو مسار سلكته الحكومة، فهي تمنع كلّ نقاش حول اليوم التالي»، عازياً ذلك إلى «أنهم (الوزراء، وأعضاء الائتلاف الحاكم) يدركون جيداً موقف المواطنين من إدارتهم الفاشلة قبل الحرب وخلالها. وهم يعرفون أن الغالبية غاضبة من سلوكهم وأنها تخطّط لمعاقبتهم عبر إرسالهم إلى مقاعد المعارضة». وتابع واصفاً جلسة الكابينت التي عُقدت يوم الخميس المنصرم، بأنها «ستُذكر بصفتها الجلسة الأكثر تضليلاً وقبحاً في تاريخ حكومات إسرائيل»؛ إذ إنها كانت عبارة عن «كمين سياسي مُعدّ مسبقاً ضدّ رئيس هيئة الأركان، هدفه منع النقاش حول اليوم التالي، والذي يهرب منه نتنياهو لأنه لا توجد لديه إجابة جديّة على سؤال مَن سيحكم غزّة إدارياً، ويكون مسؤولاً عن الجوانب المدنية لحياة مليونَي مواطن (فلسطيني)، خصوصاً أنه أعلن مراراً وتكراراً، إرضاءً لشركائه السياسيين، أن السلطة الفلسطينية لن تحكم غزة».
وما يعزّز هذه الرؤية، بحسب غانور، هو أنه «ليس من قبيل المصادفة أن نتنياهو دعا إلى الجلسة المهمّة (وزير التعاون الإقليمي)، ديفيد إمسالم، والذي لا تحقّ له المشاركة لأنه ليس وزيراً في الكابينت الأمني، والسبب وراء دعوته هو أنه لا يوجد أحد مثل إمسالم ينجح في تأجيج الخلافات السياسية». أما ما أكمل هذه «المهزلة»، فكان «صمت رئيس الوزراء المدوّي بينما انضمّ بطلا إسرائيل (وزير الأمن القومي، إيتمار) بن غفير (ووزير المالية، بتسلئيل) سموتريتش إلى إمسالم، وسط توفير (وزيرة المواصلات)، ميري ريغيف، نيران المدفعيّة لمواصلة الهجوم)».
وتساءل الكاتب: «على ماذا بالضبط هاجموا رئيس الأركان في عزّ الحرب؟ على لجنة التحقيق التي أعلن تشكيلها من أجل الفحص والتدقيق في سلوك الجيش منذ الهجوم؟ وهو تحقيق من المفترض أن يوفّر لرئيس الأركان وللجيش معلومات حول إخفاقات وأداء خاطئ يجب منعه مستقبلاً». وتابع: «من مثل نتنياهو يعرف أن كل جسم عسكري مجبر على التحقيق في أدائه بعد كل عملية، فكيف إذا كان التحقيق يأتي بعد ثلاثة أشهر من الحرب المتواصلة؟». ولذلك، فإن «صمته إزاء هجوم وزراء الكابينت يشكّل دليلاً على الاتجاه الناشئ. كلما اقتربنا من نهاية المعارك في غزة، سيتعاظم صراع الحكومة الفاشلة من أجل بقائها، عبر نقل كل إخفاقات هذه الحرب إلى الجيش وهيئة الأركان، ورئيسها، وقائد القيادة الجنوبية، ورئيس أمان...». وخلص إلى أنه «لا توجد لدى الحكومة فرصة لمواصلة ولايتها بعد الحرب. فالإسرائيليون لن يسامحوها، كما لن يسمحوا لها بمواصلة دهورة الدولة ومواطنيها».