كما كان منتظراً بموجب عودة العلاقات بين دمشق والرياض، أعادت السعودية ملف الحج إلى عهدة الحكومة السورية، بعد عشر سنوات تم خلالها استثمار هذا الملف من قبل «الائتلاف المعارض» في محافل عدة، سياسية واقتصادية، إذ كان يُعتبر أحد أبرز موارد دخل المعارضة السورية، إلى جانب المساعدات التي كانت تقدّمها لها بعض دول الخليج وعلى رأسها قطر، بالإضافة إلى تركيا. وملف الحج، والذي تمّ استعماله في البداية ضمن أوراق الضغط على دمشق من جهة، وخلال محاولات شرعنة المعارضة من جهة أخرى، وضعته السعودية عام 2013 في عهدة «الائتلاف»، الذي أنشأ مديرية خاصة به أطلق عليها «اللجنة العليا للحج»، والتي قامت بتنظيم رحلات الحج للسوريين من خارج مناطق الحكومة السورية، انطلاقاً من تركيا، فيما تسبّب قطع العلاقات بين دمشق والرياض بحرمان السوريين الذين يعيشون في مناطق سيطرة الحكومة من أداء الفريضة، ما دفع بعضهم إلى السفر إلى العراق أو لبنان أو حتى تركيا للانطلاق منها نحو السعودية.وخلال السنوات العشر التي تولّت فيها المعارضة هذا الملف، ظهرت العديد من شبهات الفساد المالي فيه، خصوصاً لناحية فرض رسوم باهظة لقاء نقل الراغبين في الحج من المناطق الخاضعة لسيطرة الفصائل شمالي البلاد إلى تركيا. كما ظهرت شبهات أخرى تتعلق بتحكّم «جهاديين» من «هيئة تحرير الشام» (فرع تنظيم القاعدة سابقاً في سوريا) ببعض مفاصل الملف، الذي حقّقت منه هيئات «المعارضة» مبالغَ وصلت إلى نحو 40 مليون دولار في العام الواحد، علماً أن السعودية خفّضت حصة سوريا من 70 ألف حاج إلى 21 ألفاً فقط.
وأعلن وزير الأوقاف السوري، عبد الستّار السيد، الذي زار السعودية وقام بأداء العمرة، بدعوة من وزير الحج والعمرة السعودي توفيق بن فوزان الربيعة، وشارك في مؤتمر ومعرض خدمات الحج والعمرة (طريق إلى النسك) الذي أقيم في مدينة جدة، أنه تمّ الاتفاق على أن يعود ملف الحج إلى عهدة الحكومة السورية، على أن تبحث اللجان التحضيرية المشتركة بين الوزارتين كل التفاصيل والإجراءات اللوجستية اللازمة لخدمة الحجاج والمعتمرين في سوريا، وتقديم جميع التسهيلات اللازمة لهم. كما وقّعت وزارة الأوقاف السورية مذكّرة تفاهم مع شركة سعودية لتقديم خدمات استضافة وتأمين طعام ونقل الحجاج، الأمر الذي يطوي 10 سنوات من حرمان السوريين من أداء هذه الفريضة من جهة، ويتيح إنهاء الوضع القائم الذي حاولت المعارضة تثبيته، عبر الزيارات العديدة التي أجراها مسؤولون منها في «لجنة الحج»، والاستعانة ببعض الوسطاء، لما يحقّقه هذا الوضع من مكاسب اقتصادية كبيرة لها.
وتعني الخطوة السعودية الأحدث، إبطال آخر أوراق المعارضة السورية، بعد فشلها في تحقيق أي اختراق في الأوساط السياسية العالمية، وخسارتها دعم الكثير من البلدان العربية التي قامت بتمويلها خلال سنوات الحرب الأولى، قبل أن تتراجع عن تقديم الدعم لها. وبذلك، تبقى قطر الدولة العربية الوحيدة التي لا تزال تعادي دمشق، وتقدّم الدعم للمعارضة والفصائل بمختلف أنواعها، إلى جانب علاقتها الجيدة مع الفصائل «الجهادية» وعلى رأسها «هيئة تحرير الشام»، التي تسيطر على إدلب، حيث تقوم تركيا ببناء تجمّعات سكنية لنقل ما يمكن نقله من اللاجئين السوريين إلى سوريا، بتمويل من قطر.
في هذا الوقت، تعاني المعارضة السورية بمختلف تقسيماتها، وعلى رأسها «الائتلاف»، الذي من المفترض أنه يمثل جميع أطيافها، من حالة موت سريري، إذ تعجز «حكومته» (الحكومة المؤقتة) عن إدارة ريف حلب وبعض المناطق في الشمال السوري، في ظل انتشار فصائل متناحرة. كما تعاني هيئاته السياسية من حالة تعطّل في ظل توقف مسارات الحل السياسي، بما فيها المسار الأممي (اللجنة الدستورية)، فضلاً عن حالة شحّ مالي من جراء تخفيض تركيا تمويله بشكل مستمر، ما دفعه إلى إغلاق عدد من مكاتبه في تركيا، وتسريح العديد من موظفيه. وبذلك، يبقى النشاط الوحيد الذي يمارسه «الائتلاف» في الوقت الحالي، هو الإعلامي، المتمثل في إصدار بعض البيانات، وإجراء لقاءات مع بعض الدول التي لا تزال تعادي دمشق، ومن بينها الولايات المتحدة وشركاؤها في «الاتحاد الأوروبي».