للمرة الثانية، مدّدت دمشق فتح معبر «باب الهوى» الحدودي مع تركيا، لستة أشهر إضافية، وذلك لإدخال المساعدات الأممية عبر الحدود، من 13 كانون الثاني حتى 13 تموز من العام الجاري. كما أقرّت استمرار دخول المساعدات من معبرَي «باب السلامة» و«الراعي»، لمدة شهر إضافي، حتى 13 شباط 2024، بعد انتهاء مفاعيل قرار السماح الماضي، والذي تجاوزت عبره سوريا الخلافات الحادة في مجلس الأمن حول هذا الملف. وكانت تلك الخلافات قد أتت في ظلّ الضغوط الأميركية المستمرة لتسييس دخول المساعدات، ورفض واشنطن مشروع قرار روسي يبحث عن عدالة أكبر في توزيعها وتمويل أكبر لمشاريع البنية التحتية في إطار «مشاريع التعافي المبكر» الأكثر استدامة. ودفع هذا الحكومة السورية إلى توقيع اتفاق مع الأمم المتحدة لضمان تمرير المساعدات إلى المحتاجين، الذين تضاعفت احتياجاتهم على خلفية الزلزال المدمر الذي ضرب البلاد في شهر شباط من العام الماضي.ويأتي الاتفاق الجديد الذي أعلنت المنظمة الدولية عنه، في وقت تشهد فيه المساعدات الأممية المقدمة للسوريين تراجعاً هو الأكبر منذ أكثر من 6 سنوات، بعدما بلغ المتوسط الشهري لعدد الشاحنات التي دخلت سوريا عبر المعابر الثلاثة، حوالى 400 شاحنة فقط. وفي الشهور الستة الماضية، دخلت 1259 شاحنة فقط، منها 892 شاحنة عبر «باب الهوى» في إدلب، و362 عبر «باب السلامة» في حلب، و5 فقط عبر «الراعي» في حلب. ويُشار، هنا، إلى أنّ «باب الهوى»، الذي استقبل العدد الأكبر من المساعدات، يخضع لسيطرة «هيئة تحرير الشام» (جبهة النصرة - فرع تنظيم القاعدة السابق في سوريا)، التي أنشأت إدارة خاصة لاستثمار ملف المساعدات تحت اسم «مكتب تنسيق العمل الإنساني»، والذي يلعب دوراً سياسياً في محاولة تبييض «الهيئة» وتسويقها على أنها فصيل معتدل يدير المنطقة بشكل مؤسّساتي.
ورغم تجاوز دمشق، عبر الرخصة السيادية التي قدمتها، خلافات مجلس الأمن، لا تزال بعض الجهات الدولية، وبضغوط أميركية، تحاول تحصيل قرار يسمح بإدخال المساعدات بشكل دائم، الأمر الذي يثير أسئلة عدة عن جدوى مثل هذا القرار، في ظل التراجع المستمر وغير المسبوق في حجم المساعدات التي يتم إدخالها، وإعلان «برنامج الأغذية العالمي» (WFP) التابع للأمم المتحدة، إنهاء تقديم مساعداته في كلّ أنحاء سوريا، بسبب العجز الكبير عن توفير التمويل اللازم لاستكمال نشاطه المعتاد. والواقع أن هذا التراجع المستمر آيل إلى الزيادة في ظل عجز منظمات الأمم المتحدة عن تأمين التمويل اللازم لتقديم المساعدات، وانشغال الولايات المتحدة وحلفائها (أكبر الدول الداعمة لبرامج المنظمة الدولية) بالحرب الروسية في أوكرانيا، والحرب الإسرائيلية على غزة، بالإضافة إلى التراجع الاعتيادي في الأوساط السياسية في تقديم المساعدات في الأزمات الطويلة، نتيجة تراجع حماسة هذه الدول.
على هذه الخلفية، ينتظر نحو 2.8 مليون سوري يعيشون في الشمال السوري، كانوا يعتمدون على تلك المساعدات بشكل أساسي، مصيراً مجهولاً، بينما تتابع الولايات المتحدة نشاطها السياسي والعسكري في المناطق الخاضعة لسيطرتها شرقي البلاد، سواء عبر دعم «قوات سوريا الديموقراطية» (قسد) ومشروعها (الإدارة الذاتية)، أو عن طريق استقدام تعزيزات عسكرية جديدة لتأمين قواعدها غير الشرعية، والتي تتعرّض لاستهدافات متواصلة من فصائل المقاومة. وعلى خطٍّ موازٍ، تكثّف تركيا من قصفها لمواقع تسيطر عليها «قسد» في سوريا، ضمن حملة تصعيد عسكرية تشمل المناطق الكردية في العراق أيضاً، على خلفية مقتل تسعة من جنودها في هجوم شنه مقاتلو «حزب العمال الكردستاني» على قاعدة عسكرية تركية شمالي العراق. إذ شنّت طائرات مسيّرة تركية، فجر السبت، أكثر من 10 غارات جوية على مواقع عدة شمالي شرق البلاد، بينها موقع نفطي قرب الحسكة، ومحطة كهرباء في ريف الرقة، في حين أعلنت وزارة الدفاع التركية مقتل سبعة من مقاتلي «قسد» جراء الغارات، التي تعتبر امتداداً لتصعيد تركي مستمر ضد «قسد»، تقابله واشنطن بقبول ضمني يتّضح من موقفها المحايد من الهجمات.