أفلت الرئيس التركي، رجب طيب إردوغان، من الوفاء بوعود غزيرة قطعها على نفسه أمام الآلاف الذن كان يحشدهم تارةً دفاعاً عن فلسطين، وتارةً أخرى دفاعاً عن غزة. غير أن شرف حمل الشكوى ضدّ إسرائيل بتهمة الإبادة الجماعية، إلى «محكمة العدل الدولية»، كان من نصيب جنوب أفريقيا، بمعزل عن نتائج ذلك. ولم تكتفِ تركيا بالتفرّج على ما يجري في لاهاي، بل اعترف وزير المواصلات والبنى التحتية فيها، بأن السفن التركية لا تزال تبحر إلى إسرائيل بمعدل ثماني سفن يوميّاً.ولعّل كثيرين ممّن تابعوا جلسة افتتاح المحكمة في لاهاي، الخميس الماضي، تساءلوا: لماذا جنوب أفريقيا وليس تركيا؟ إذا نحّينا جانباً مواقف الحكومات العربية التي لا تؤمل منها خطوة كهذه، فإن الأقرب إلى التصوّر وممّا ظهر أمام الرأي العام، في الأشهر التي تلت العدوان، أن الخطاب العالي النبرة للرئيس التركي، والذي كان قد أعلن أن إسرائيل مجرمة حرب، وأن بلاده ستشّهر بها في كل العالم، أوحى بأن تركيا، وليس غيرها، هي التي ستبادر إلى تقديم الشكوى إلى المحاكم الدولية لمحاسبة إسرائيل. ولكن الوقائع تؤكد أن الحكومة التركية لم تقطع علاقاتها التجارية مع كيان العدو، وأن خطابها الفلسطيني كان، في جانب منه على الأقل، ذا غرض داخلي، يتعلّق بكسب حفنة من أصوات المتديّنين المؤيّدين فعلاً للقضية الفلسطينية، عشية الانتخابات البلدية، في الـ 31 من آذار المقبل.
وتقول فيغين تشاليقوشو، في صحيفة «قرار»، إنها، ومع متابعتها لوقائع جلسة «محكمة العدل الدولية»، تساءلت عن الدين الذي تعتنقه الدولة التي رفعت القضية إلى المحكمة، أي جنوب أفريقيا. وقالت إن 86% من الجنوب أفارقة يعتنقون المسيحية، و5% فقط ينتمون إلى معتقدات أخرى مختلفة، فيما لا تتعدّى نسبة المسلمين في هذا البلد الـ 1.5%. ولفتت تشاليقوشو إلى أن هناك 57 دولة مسلمة لم تتقدّم بالشكوى، وهو ما عدّته أمراً «مثيراً للسخرية والأسى»، قائلةً: «لا أعرف لماذا لم تتقدّم تركيا بمثل هذا الطلب للحماية وللدفاع عن حقوق الشعب الفلسطيني؟ ولماذا لم يفكّر المحامون الأتراك بالذي فكّر فيه محامو جنوب أفريقيا؟ رئيسنا يقول إن إسرائيل ترتكب إبادة... لماذا لا يفكّر رئيسنا حتى بالمشاركة في القضية المقامة أمام المحكمة في لاهاي، والفرصة لا تزال سانحة أمامه ليقرن القول بالفعل؟». أيضاً تساءلت الكاتبة: «ألا يُعتبر موقفاً عقلانياً وأكثر قانونية أن تتقدّم بالدعوى من أن تكتفي بمقاطعة بعض المنتجات ذات المنشأ الأميركي؟ ألم يكن الأجدى والأكثر تأثيراً أن تبحث تلك الدولة التي تسمّى تركيا عن حقوق الشعب الفلسطيني في المحافل الدولية بدلاً من التظاهرات التي تبدأ باسم فلسطين وتنتهي بالدعوة إلى إعلان الخلافة؟». بدوره، كتب يوسف جومرت، في الصحيفة نفسها، أن «الدعوى تليق ببلد نيلسون مانديلا، فيما الأنظمة العربية والإسلامية صامتة». ووفق جومرت، فإنه «مهما كانت نتيجة مداولات المحكمة، فإن جنوب أفريقيا قامت بعمل مهمّ باسم الإنسانية».
السفن التي اتّجهت مباشرة من الموانئ التركية إلى إسرائيل، بلغ عددها 480 منذ بدء العدوان


وفي سياق متّصل بالموقف التركي من غزة، اعترف وزير المواصلات والبنى التحتية التركي، عبد القادر أورال أوغلو، بأن أكثر من 700 سفينة تركية أبحرت إلى إسرائيل منذ بدء العدوان على غزة في السابع من تشرين الأول الماضي، أي بمعدّل ثماني سفن يوميّاً. وقال الوزير إن السفن التي اتّجهت مباشرة من الموانئ التركية إلى إسرائيل، بلغ عددها 480، فيما وصل عدد تلك التي اتّجهت من طريق الترانزيت 221 سفينة، مشيراً إلى أن المجموع قياساً إلى الفترة نفسها من العام الماضي، انخفض بمعدّل 30%. وأضاف أورال أوغلو أن «تركيا أرسلت، إلى الآن، ثلاث سفن مساعدات غذائية وطبية وسيارات إسعاف للفلسطينيين. وقد أفرغت هذه السفن حمولتها في ميناء العريش في مصر، وهنا سلّمنا الحمولة إلى المصريين. وفي حال طلب منّا أكثر، سنرسل».
كذلك، ذكّرت صحيفة «قرار» بخطاب النائب عن «حزب السعادة»، حسن بيتميز، الذي ألقاه في الـ 12 من كانون الأول الماضي، وكشف فيه واقع العلاقات التجارية بين تركيا وإسرائيل، ما استدعى في حينه حملة رفض وضغط من قِبَل نواب «حزب العدالة والتنمية» في البرلمان. ولدى إنهاء بيتميز خطبته، توجّه إلى أعضاء البرلمان من الحزب الحاكم، قائلاً: «إذا تخلّصتم من عذاب الضمير، فلن تنجوا من عذاب التاريخ. وإذا نجوتم من عذاب التاريخ، فلن تنجوا من غضب الله».