رام الله | مع انقضاء المئة يوم الأولى من العدوان على قطاع غزة، ورغم فشلها في تحقيق أهدافها، لا تزال إسرائيل تمعن في حرب الإبادة التي تشنّها على الفلسطينيين، بهدف الدفع بمخطّط تهجيرهم، مرتكزةً في ذلك إلى تنويع أساليب القتل. فإلى جانب القصف الجوّي المستمرّ وتسطيح أحياء سكنية بكاملها، واستهداف مراكز النازحين والمرافق الصحية، ما تسبّب في انهيار المنظومة الصحية برمّتها، وتدمير منظومة الحياة والمرافق الحيوية، لجأت الآلة الإسرائيلية أيضاً إلى التجويع والتعطيش ومنْع دخول الأدوية، ما تسبّب في انعكاسات طالت مجمل سكّان القطاع، وتحديداً الأطفال منهم.ووفقاً للمعطيات الرسمية، يَظهر أن الأطفال هم أكثر الفئات الاجتماعية التي تعرّضت للاستهداف؛ إذ إنهم الفئة الأكثر احتياجاً إلى الرعاية الغذائية والنفسية والطبية، وخصوصاً الأدوية، ومنها اللقاحات المضادة للأمراض، والمقطوعة عن محافظتَي غزة والشمال، وذلك على خلفية منْع الإسرائيليين إيصالها إلى هاتين المحافظتَين، علماً أن كميات ضئيلة من تلك اللقاحات وصلت إلى مراكز الرعاية الأولية في مناطق جنوب ووسط القطاع فقط، بعدما نجحت وزارة الصحة في رام الله، عبر التواصل مع الجهات الدولية، في الدفع بها إلى هناك. وقالت الوزارة إن الطعومات التي اشترتها حكومة رام الله، إضافةً إلى ما تبّرعت به «منظمة الأمم المتحدة للطفولة» (يونيسف)، بدأت بالدخول إلى غزة، بالتنسيق مع الجهات المصرية، وهي تشمل طعومات شلل الأطفال والحصبة والحصبة الألمانية والنكاف وغيرها من الطعومات الروتينية الخاصة بالأطفال، إلّا أنها تكفي لمدة تتراوح بين 8 و14 شهراً.
وكانت قد أَطلقت وزارة الصحة في قطاع غزة، في 13 كانون الأول الماضي، صرخة عاجلة لمساعدتها بعد نفاد مخزونها من لقاحات الأطفال، محذّرةً من «انعكاسات صحية كارثية» على هؤلاء، فضلاً عن «انتشار الأمراض، بخاصة بين النازحين في مراكز الإيواء المكتظّة»، مطالبةً «بسرعة التدخّل لتوفير التطعيمات اللازمة، وضمان وصولها إلى مناطق قطاع غزة كافة لمنع الكارثة». وفي هذا السياق، تقدّر السلطات الصحية في الضفة الغربية، وقطاع غزة، بأن عدد الأطفال حديثي الولادة من الذين لم يتلقّوا اللقاحات اللازمة، بأكثر من 60 ألف طفل. ورغم دخول بعض اللقاحات إلى القطاع، في مطلع العام الجاري، إلّا أنّ الكثير منها، من مِثل اللقاحات ضدّ شلل الأطفال والحصبة، لا تزال غير متوافرة، ولا تصل إلى جميع الأطفال المحتاجين إليها، بحسب المصادر.
تحمل المعطيات المتعلّقة بالأطفال في قطاع غزة مؤشرات في غاية الخطورة


ومع دخول فصل الشتاء الذي تنتشر فيه الأمراض والعدوى، وفي ظل تكدُّس الناس في مراكز النزوح، ترجّح المصادر الطبية أن تتطوّر هذه الأعراض، ذلك أنّ إعطاء اللقاحات سيكون صعباً لأن معظم سكان غزة نزحوا من منازلهم، فيما يعيش مئات الآلاف منهم في خيام أو أماكن إيواء مؤقتة أخرى. وفي الأيام الماضية، شهدت المراكز الصحية المتبقية في القطاع، تجمّع حشود كبيرة من المواطنين مع أطفالهم للحصول على التطعيمات، بعدما أكدت «اليونيسف»، الأسبوع الماضي، تسليمها ما لا يقلّ عن 600 ألف جرعة من اللقاحات، فيما واصلت السلطات الصحية تطعيم الأطفال، رغم استمرار الحرب، والتي جعلت مدينة رفح نقطة لجوء رئيسية لمئات الآلاف من الذين أُجبروا على الفرار من منازلهم، مقدّرة أن أكثر من 16600 رضيع فاتتهم واحدة أو أكثر من اللقاحات الروتينية.
وتحمل المعطيات المتعلّقة بالأطفال في غزة مؤشرات في غاية الخطورة، بحسب منظمة «اليونيسيف»، التي قالت إن «الاكتظاظ الشديد والظروف الجوية القاسية وانهيار النظام الصحي بشكل شبه كامل، والإمكانية المحدودة للحصول على المياه النظيفة وعدم توافر الصرف الصحي إلى جانب زيادة أوجه الضعف الأخرى، مثل المصابين بجروح وذوي حالات ضعف المناعة، كل ذلك يخلق أرضاً خصبة لانتشار الأمراض التي يمكن تجنّبها بالتطعيم». وأكّدت المنظمة أن أكثر من 80% من الأطفال في القطاع «يعانون من فقر غذائي حادّ»، منبهةً إلى أنه «في الأسابيع المقبلة، سيعاني ما لا يقلّ عن 10 آلاف طفل دون سن الخامسة من سوء التغذية الذي سيهدّد حياتهم». واستدركت بأن «هذه النتائج تشير إلى أن جميع الأطفال دون سنّ الخامسة، وعددهم 335 ألف طفل، معرّضون بشدّة لخطر سوء التغذية الحاد والوفاة التي كان يمكن الوقاية منها، لولا استمرار تزايد خطر المجاعة».
ومن جهتها، أعلنت منظّمة «أنقذوا الأطفال» أن جيش الاحتلال قتل 1% من الأطفال في غزة منذ السابع من أكتوبر، أي حوالى 10 آلاف طفل، مشيرةً إلى أن «الأطفال الذين نجوا من العنف يعانون أهوالاً لا توصف، بما في ذلك الإصابات التي تغيّر حياتهم، إضافة إلى الحروق، والأمراض، وعدم كفاية الرعاية الطبية، وفقدان والديهم وأحبائهم الآخرين». وأضافت: «اضطرّ الأطفال إلى الفرار من العنف مراراً وتكراراً. ليس لديهم مكان آمن يذهبون إليه، وهم مجبرون على الفرار من العنف إلى أجل غير مسمّى، لقد واجهوا أهوال المستقبل». وأكد مدير المنظّمة في فلسطين، جيسون لي، أن «الأطفال الفلسطينيين دفعوا ثمناً باهظاً لعدم التوصّل إلى وقف لإطلاق النار في غزة»، لافتاً إلى أنّ «ما معدّله 100 طفل يُقتلون كلّ يوم لا يتمّ فيه التوصّل إلى وقف نهائيّ لإطلاق النار».