خلال نهاية الأسبوع الماضي، جابت المسيرات المندّدة بالعدوان الإسرائيلي على قطاع غزة، شوارع نحو 30 دولة حول العالم، بدءاً بأكبر البلدان الإسلامية كإندونيسيا، مروراً بدول غربية مختلفة، كالولايات المتحدة، وكندا، وأستراليا، وصولاً إلى بعض أقطار الشرق الآسيوي، كاليابان، وكوريا الجنوبية. فمع مرور مئة يوم على بدء العدوان، وبعد أيام من بدء جلسات محاكمة إسرائيل أمام «محكمة العدل الدولية»، شارك عشرات الآلاف من الناشطين ضمن فعّاليات ما عُرف بـ»يوم التحرّك العالمي نصرةً لغزة»، داعين إلى وقف الإبادة الجماعية بحقّ الشعب الفلسطيني، ومطالبين الدول الغربية الداعمة لكيان الاحتلال، بالدفع نحو إيقاف الحرب.
تظاهرات واشنطن تصوّب على بايدن: «Joe Genocide»
في تظاهرة عُدّت الثانية من نوعها، من حيث كثافة عدد المشاركين، ووسط إجراءات أمنية مشدّدة، تظاهر الآلاف أمام البيت الأبيض، احتجاجاً على سياسة إدارة الرئيس جو بايدن المنحازة إلى إسرائيل. وفي حين رفع بعض الناشطين صور الناطق باسم «كتائب القسام»، أبو عبيدة، حَمل آخرون أعلام جنوب أفريقيا. وقالت ميديا بنجامين، وهي أحد أعضاء مجموعة «CodePink» المناهضة للحرب، إن الرئيس الأميركي يستحقّ لقب «جو (بايدن) سيد الإبادة الجماعية»، أو «Joe Genocide»، معتبرةً أنّ هذا اللقب «سيظلّ يلاحق بايدن بالنسبة إلى شريحة من المواطنين الأميركيين، على خلفية تعامله مع الحرب في غزة». وعن تقديراتها لتأثير تلك الحرب على فرص فوز الحزب الديموقراطي في الانتخابات المرتقبة نهاية العام الجاري، رأت بنجامين أنّ «الديموقراطيين يلعبون بالنار، كونهم داعمين للإبادة الجماعية في غزة»، محذّرةً من تبعات ذلك على مستقبل الحزب. وفي الاتجاه ذاته، ذهب دان ديفريز، الذي حضر من مدينة نيويورك، موضحاً أنّ مشاركته جاءت «بقصد الاحتجاج لأنه يريد رؤية غزة حرّة»، مع تشديده على عدم رغبته في التصويت لأيّ من بايدن، أو المرشح الجمهوري الأوفر حظّاً، دونالد ترامب. أمّا إيدا برافورد، والتي حضرت رفقة زوجها من مدينة ريتشموند، عاصمة ولاية فيرجينيا، فقد أعربت عن تردّدها في التصويت لمصلحة الرئيس. وقالت: «(إنّنا) نشعر بإحباط شديد».
وقد تخلّل التظاهرة، التي نظّمتها «مجموعة العمل الإسلامية الأميركية من أجل فلسطين» إلى جانب منظّمات وجمعيات حقوقية واجتماعية أخرى، كلمات لمواطنين أميركيين من أصول فلسطينية، ممَّن فقدوا أفراداً من عائلاتهم في العدوان على غزة. وشارك فيها عدد من الشخصيات السياسية، بمن فيهم المدير التنفيذي لـ»مجلس العلاقات الأميركية - الإسلامية»، نهاد عوض، والمرشّحان الرئاسيان كورنيل ويست، وجيل ستاين، إضافةً إلى نائبة عن ولاية كولورادو (ديموقراطية). ومن بين المتحدّثين، كان المسؤول السابق في وزارة الخارجية الأميركية (الذي استقال احتجاجاً على سياسة إدارة بايدن في حرب غزة)، جوش بول، الذي حثّ الرئيس وأعضاء إدارته على الدعوة إلى وقف فوري لإطلاق النار وإطلاق سراح الأسرى، ولا سيما مَن وصفهم بـ»الفلسطينيين الذين تحتجزهم إسرائيل لأسباب واهية»، وهي دعوة أيّده فيها ناطق موكل بالتحدّث بالنيابة عن موظفي الكونغرس، شارك في التظاهرة. ومن جهته، توقّف مدير التطوير في منظمة «مسلمون أميركيون من أجل فلسطين»، محمد حبح، عند التزامن بين مرور 100 يوم على حرب غزة، وحلول الذكرى السنوية لتكريم المناضل الحقوقي الأميركي، من أصول أفريقية، مارتن لوثر كينغ، معتبراً أنّه من الأهمية بمكان استحضار إرث الراحل، ولا سيما حين قال إنّ «الظلم في أيّ مكان يشكّل تهديداً للعدالة في كل مكان»، لافتاً إلى أهمية «الوقوف ضدّ الفظائع التي تدعمها وتروّج لها حكومتنا».
أجواء التظاهرات في الولايات المتحدة، وعلى «مرمى حجر» من مقرّ بايدن، تتقاطع مع حجم الغضب الشعبي المتنامي في أوساط الأميركيين، بصورة عامة، والشباب منهم بصورة خاصة، بفعل دعم بلادهم اللامحدود للحرب على غزة. فقد أَظهر استطلاع للرأي أجرته صحيفة «نيويورك تايمز»، ونشرت نتائجه في منتصف الشهر الفائت، أن 70% من الأميركيين الذين تراوح أعمارهم بين 18 و35 عاماً، غير راضين حيال طريقة تعامل بايدن مع الحرب، فيما يَعتقد نحو 50% منهم أن إسرائيل تقتل المدنيين في غزة بشكل متعمّد. وبحسب استطلاع للرأي أجراه «المعهد العربي الأميركي»، قبل أيام، فإن 51% من الأميركيين باتوا أكثر ميلاً للتصويت لمصلحة مرشّح رئاسي يدعم الدعوة إلى وقف إطلاق النار في غزة.

من لندن إلى باريس: «غزة أيقونة الطفولة والمقاومة»
أمّا في العاصمة البريطانية، لندن، فسجّل أبناء الجاليات العربية والمسلمة، المُقدَّرة أعدادهم في البلدان الأوروبية بنحو 30 مليون نسمة، حضوراً لافتاً. فقد سلّط عشرات الآلاف من المتظاهرين الضوء على معاناة الأطفال في قطاع غزة، وسط استنفار الشرطة البريطانية لنحو 1700 ضابط للتعامل مع المحتجّين، وإصدارها تعليمات مشدّدة بعدم التعرّض لمقرّ السفارة الإسرائيلية. وقبل ساعات من تنظيم مسيرة مضادة داعمة لإسرائيل، بدا لافتاً ظهور الدمية «أمل الصغيرة» وسط الحشود، وهي كناية عن دمية عملاقة تجسّد طفلة سورية نازحة، سبق أن جابت زهاء 5000 ميل داخل حدود 12 دولة، وقد أصبحت ترمز إلى معاناة الأطفال في الحروب، علماً أنّ ما يقرب من ثلثي شهداء العدوان على غزة الذين تجاوزت أعدادهم 23 ألف شخص، من النساء والأطفال.
51% من الأميركيين باتوا أكثر ميلاً للتصويت لمصلحة مرشّح يدعم الدعوة إلى وقف الحرب في غزة


وكما في لندن، كذلك في العاصمة الإيرلندية، دبلن، حيث حمل المشاركون في المسيرات لافتات تنتقد السياستَين الأميركية والإسرائيلية، مردّدين هتافات «فلسطين حرة، حرة». أمّا في باريس، فقد تجمهر المئات من الفرنسيين المطالبين بإنهاء الحرب ورفع الحصار عن غزة، إضافةً إلى فرض عقوبات على إسرائيل، فيما لوّح بعض المتظاهرين بالعلم الفلسطيني ورفعوا لافتات كُتب عليها: «من غزة إلى باريس... مقاومة». وفي وقت تتحضّر فيه بلدان أوروبية أخرى لمسيرات تضامنية مشابهة، كإسبانيا التي تفرّدت أوروبياً، أسوةً ببلجيكا، بمواقفها الرسمية (والشعبية) العالية السقف تجاه إسرائيل، والتي تستعدّ في العشرين من الجاري لتنظيم فعاليات احتجاجية من أجل غزة، قدّر «المركز الأوروبي الفلسطيني للإعلام» عدد النشاطات التضامنية مع الشعب الفلسطيني على امتداد القارة الأوروبية، وخلال الأيام التسعين الأولى للعدوان على غزة، بأكثر من 6000 نشاط، شملت أكثر من 400 مدينة أوروبية.