رام الله | للمرة الثانية خلال أسبوع واحد، جدّد كبار المسؤولين في المؤسسة الأمنية الإسرائيلية تحذيرهم رئيس الحكومة، بنيامين نتنياهو، من تصاعد الأوضاع في الضفة الغربية، ووصولها إلى عتبة الانفجار. وأتى هذا في وقت عاد فيه وزير الحرب الإسرائيلي، يوآف غالانت، إلى الحديث عن سعي حركة «حماس» لنقل المعركة إلى الضفة، في محاولة منه لتسويق انفصال هذه الأخيرة عن قطاع غزة في اللاوعي الفلسطيني، وتصويرها وكأنها منطقة هادئة ومستقرّة وتعيش في سلام. وإذ تُعَد جبهة الضفة ذات خصائص استثنائية، سيكون لها تأثير كبير أمنياً وسياسياً إذا ما انفجرت، فإن هذا ما كان تنبّه إليه وزير الخارجية الأميركي، أنتوني بلينكن، الذي وضع على رأس أولوياته، منذ بدء العدوان على غزة، ضمان استقرار الضفة والسيطرة عليها.على أن المفارقة هي أن تحذيرات المؤسسة الأمنية الإسرائيلية، تترافق مع تصعيد كبير في اعتداءات جيش الاحتلال، والتي جعلت الضفة تحت الحكم العسكري الإسرائيلي المباشر، إذ يستمر تكثيف عمليات الاقتحام للمدن والقرى ليلاً ونهاراً، من دون أي اعتبار لتواجد السلطة وأماكن انتشار عناصرها الأمنيين، فيما تتواصل حملات الاعتقال غير المسبوقة، ويجري إلغاء القيود على أوامر إطلاق النار على الفلسطينيين، وهو ما أدّى إلى استشهاد 352 في 100 يوم فقط، بمعدل أكثر من 3 شهداء يومياً. وخلافاً للتصريحات الإسرائيلية، يعتقد الفلسطينيون في الضفة أن إسرائيل تعد العدّة لحرب فيها بعد انتهاء العدوان على غزة، إذا ما قوبلت المخططات الإسرائيلية، وتحديداً بشأن الاستيطان وفرض السيطرة والضمّ، بأي مقاومة.
وفي هذا السياق، عقد غالانت اجتماعاً مع قادة الجيش في الضفة، الأحد الماضي، حيث طالبهم بـ«الاستعداد للحرب» ووضع القوات على أهبة الاستعداد وجمع المعلومات الاستخباراتية ذات الصلة. وإذ يدرك غالانت، بصفته رجل أمن، أهمية دور السلطة الفلسطينية «الأمني»، والذي أسهم خلال السنوات الماضية في حفظ استقرار الضفة واحتواء مقاومتها، فهو لا يهمل التحديات الضاغطة على رام الله، جراء اقتطاع أموال المقاصّة منها والذي أعجزها عن صرف رواتب موظفيها، فضلاً عن منع عشرات آلاف العمال من الدخول إلى «الخط الأخضر». وقال غالانت إنه «من الضروري منع هذا السيناريو (إشعال حماس الضفة الغربية والقدس) بأي شكل من الأشكال، وعلينا منع ذلك من خلال تنظيم عودة العمال وتحويل الأموال»، معتبراً أن تأخر حلّ هاتين المسألتين قد يضر بتحقيق أهداف الحرب، مضيفاً أن وجود سلطة فلسطينية قوية مصلحة أمنية إسرائيلية.
يدرك نتنياهو أنه بات محصوراً في حيّز يضيق عليه يوماً بعد آخر


والجدير ذكره، هنا، أن موقف المؤسسة العسكرية الإسرائيلية يتماهى مع التصوّر الذي تطرحه إدارة جو بايدن حول دور السلطة الفلسطينية في «اليوم التالي للحرب»، لكنه يتعارض مع موقف نتنياهو وحلفائه في أحزاب اليمين المتطرف، إذ سبق لنتنياهو أن أبدى استعداد حكومته لمحاربة قوات الأمن التابعة للسلطة في الضفة، معلناً رفضه تأدية الأخيرة دوراً في قطاع غزة بعد انتهاء الحرب، فضلاً عن رفضه «اتفاق أوسلو».
على أن نتنياهو يدرك أنه بات محصوراً؛ فرياح الحرب على غزة لم تسِر بما اشتهت سفنه، وهو ما يجليه خروج 300 ألف إسرائيلي للمطالبة بالإفراج عن الأسرى بأي ثمن، وتزايد الدعوات إلى حل الحكومة ورحيل رئيسها وإجراء انتخابات، وآخرها جاء في وثيقة موقّعة من قبل 170 عسكرياً.
في المقابل، وإذ ينظر نتنياهو إلى الضفة الغربية كما لبنان، كفرصة للهروب إلى الأمام، فهو يواصل، عبر أدواته المتطرفة، مراكمة الأسباب التي ترى فيها المؤسسة الأمنية سبباً لمخاوفها؛ إذ يؤيد، من جهة، قرار وزير المالية، بتسلئيل سموتريتش، عدم تحويل أموال المقاصّة إلى السلطة، ومن جهة أخرى، يغضّ النظر عما يقوم به الأخير من خطوات، آخرها مصادرة أموال جديدة لتعويض «ضحايا الإرهاب». وكان سموتريتش أعلن في تغريدة على «أكس»، أن هناك أشياء لن يتم التراجع عنها أبداً، مشيراً إلى «مصادرة أموال الإرهاب التابعة للسلطة الفلسطينية لصالح ضحايا العمليات الإرهابية»، على حدّ قوله، مضيفاً أن «من يروّجون للإرهاب سيدفعون الثمن». وكان تعهّد، قبل أسابيع، بعدم السماح بتحويل أموال الضرائب الفلسطينية إلى غزة أو إلى عائلات منفّذي الهجمات الفلسطينيين، ملمّحاً إلى أنه سيستقيل من الحكومة بدلاً من تمرير التحويل.