أثارت أصوات انفجارات سمعت في حلب وإدلب مساء الاثنين، لغطاً كبيراً، وسط استعجال بدا واضحاً من بعض الناشطين ووسائل الإعلام المعارضة التي اعتمدت على خبر عاجل نشره «المرصد السوري» المعارض حول قذائف أُطلقت من جهة البحر واستهدفت مناطق في محيط حلب، في إشارة إلى احتمالية وقوع عدوان إسرائيلي جديد، فيما أكدت وسائل إعلام سورية شبه رسمية أن «مطار حلب الدولي يعمل بشكله المعتاد، وأن محيطه لم يتعرّض لأيّ استهدافات». وفي وقت لاحق، دحضت إيران كل ما أشيع بإعلانها استهداف أحد مقارّ الفصائل «الجهادية» في إدلب، وهو عبارة عن نقطة طبية تدار منها عمليات المسلحين، في إطار ردّ مزدوج واسع على الهجمات الإرهابية التي وقعت أخيراً في محافظات كرمان وسيستان وبلوشستان جنوب شرق إيران، وذلك عبر صواريخ باليستية بعيدة ومتوسطة المدى ضربت أهدافاً ضمن مجمع القنصلية الأميركية في «كردستان - العراق» وموقعاً في ريف إدلب.وفي السياق، نشر «الحرس الثوري الإيراني»، أربعة بيانات متلاحقة، أعلن فيها «إطلاق 24 صاروخاً استهدفت 11 منها مقارّ لجواسيس الموساد في إقليم كردستان العراق، وأربعة بعيدة المدى من نوع «خيبر شكن»، وهي من صواريخ الجيل الثالث ويصل مداها إلى نحو 1500 كيلومتر، مقرّاً لتجمّع قادة وعناصر إرهابيين على علاقة بالاعتداءات الإرهابية الأخيرة في إيران، ولا سيما خلايا «داعش» الإرهابية، و9 متنوعة مقارّ المجموعات الإرهابية في مناطق محتلة من سوريا». وأشارت البيانات إلى أن الصواريخ التي وصلت إلى إدلب انطلقت من محافظة خوزستان جنوب غرب إيران، ما يعني أنها قطعت مسافة تفوق الـ 1200 كيلومتر قبل أن تصل إلى هدفها في قرية تلتيتا في ريف إدلب الشمالي، وتصيبه وتدمّره بدقة.
واستمر الهجوم الإيراني، الذي تبعته حالة تعتيم إعلامية من قبل الفصائل «الجهادية» المنتشرة في إدلب وريفها، حتى صباح الأربعاء، قبل أن يسمح بشكل محدود لوسائل إعلام بالتقاط الصور لمكان الضربة، من دون إعطاء أيّ معلومات حول نتائج الاستهداف والشخصيات التي قضت فيه. وكشفت اللقطات والصور، التي نشرتها وسائل إعلام معارضة وبعض الناشطين على مواقع التواصل الاجتماعي، تدمير المبنى الذي كان سابقاً نقطة طبية (مستوصف) بشكل شبه كامل، في وقت ذكرت فيه مصادر ميدانية، تحدثت إلى «الأخبار»، أن المستوصف متوقف عن العمل منذ أعوام، ما يؤكد أن الهجوم الإيراني كان دقيقاً، وجاء بعد جمع معلومات حول نشاط المسلحين، وارتباطهم بالهجمات الإرهابية، علماً أن إدلب وريفها يشكّلان ملاذاً آمناً للفصائل «الجهادية» في ظل سيطرة «هيئة تحرير الشام» (فرع تنظيم القاعدة سابقاً في سوريا) عليها، وهو ما تؤكده وقائع سابقة، عندما قامت الولايات المتحدة باغتيال زعيم تنظيم «داعش» أبو بكر البغدادي (إبراهيم عواد)، وخليفته أبو إبراهيم القرشي (عبد الله قرداش) في ريف إدلب.
أحيطت نتائج الهجوم الإيراني على الموقع، الذي ينتشر فيه «جهاديّون» في قرية تلتيتا بريف إدلب الشمالي، بتعتيم شديد


واقتصرت الأضرار التي أُبلغ عنها على تلك التي أعلنتها منظمة «الخوذ البِيض»، المموّلة من بريطانيا والتي تنشط في إدلب، والتي قالت إنها تلقّت بلاغاً حول تعرّض مدنيَّين اثنين لرضوض في بلدة كفرتخاريم التي تبعد نحو 10 كيلومترات عن المنطقة المستهدفة، مضيفة أن المبنى الذي تعرّض للاستهداف أصيب بثلاثة مقذوفات مباشرة استهدفت سقفه وهيكله، فيما المقذوف الرابع استهدف محيطه. والجدير ذكره، هنا، أن البادية السورية الممتدة إلى قاعدة «التنف» الأميركية عند المثلث الحدودي العراقي الأردني، والتي تتهمها موسكو ودمشق بتقديم الدعم للتنظيم الإرهابي، تمثّل في الوقت الحالي الميدان الأبرز لنشاط مقاتلي «داعش»، الذي تبنّى الهجمات الإرهابية التي تعرّضت لها محافظة كرمان قبل نحو أسبوعين، ويرتبط نشاطه بنشاط الفصائل «الجهادية» الأخرى من مثل «الحزب الإسلامي التركستاني» و«هيئة تحرير الشام».
وفيما أحيطت نتائج الهجوم الإيراني على الموقع الذي ينتشر فيه «جهاديون» في قرية تلتيتا في ريف إدلب الشمالي، والتي تعدّ وفق المصادر الميدانية أحد المواقع التي تجري فيها الفصائل تدريباتها، بتعتيم شديد، يكشف الاستهداف المزدوج تعمّد طهران البعث برسائل سياسية، على رأسها الارتباط بين خلايا تابعة للموساد في كردستان - العراق، والفصائل «الجهادية». كذلك، تكشف نوعية الأسلحة التي تم استخدامها نية طهران إبراز قدراتها العسكرية الدقيقة، عبر استعمال صواريخ بعيدة ومتوسطة المدى انطلقت من داخل الأراضي الإيرانية لتنفيذ الهجوم، ومن ثم تبنّي الضربات والكشف عن الأهداف التي تمت إصابتها فوراً، للتأكيد على مدى جدية العملية ودقتها، في وقت كان يمكن فيه لإيران استعمال أسلحة أخرى، وتنفيذ العمليات من مسافات أقرب. ولا يعدّ استعمال إيران هذه الصواريخ أمراً مستحدثاً؛ إذ استعملت عام 2017 صواريخ من نوع «القائم» و«ذو الفقار»، قطعت مسافة تفوق الـ 600 كيلومتر، في استهداف مواقع كان يسيطر عليها تنظيم «داعش» في ريف دير الزور، وذلك رداً على هجمات إرهابية تعرّض لها مبنى «مجلس الشورى الإسلامي» في طهران ومرقد الإمام الخميني.