رام الله | لم تكن المؤسسة الأمنية الإسرائيلية بحاجة إلى عملية «رعنانا» للتأكد من صحة تقديراتها ومخاوفها في شأن تصعيد أمني (محتمل) في الضفة الغربية؛ فالمؤشرات التي سبقت العملية كانت كثيرة، وعزاها مسؤولون أمنيون إلى امتناع المستوى السياسي عن اتّخاذ قرارات لمنع إلحاق أضرار بالاقتصاد الفلسطيني في الضفة. أما عقب وقوع الهجوم، فسحب جيش الاحتلال جنود وحدة «دوفدوفان» من قطاع غزة، ونقلهم إلى الضفة، في خطوة اعتبرتها صحيفة «هآرتس» العبرية «تنازلاً عن قوّة مهمّة للغاية في القتال في غزة»، وذلك بالاستناد إلى «تقييم الجيش وتقديراته حول تفجّر الوضع في الضفة، وتصاعُد العمليات الفلسطينية المسلّحة ضدّ المستوطنين بشكل خاص». من جهته، اعتبر المحلّل الإسرائيلي في الصحيفة نفسها، عاموس هرئيل، أن «عملية رعنانا لا تُبشِّر بالخير»، وأنّ «الضفة الغربية على صفيح ساخن، ومن الممكن جدّاً أنْ تنفجر الأوضاع فيها في أيّ لحظة لعدّة أسباب»، أهمّها أن «الفلسطينيين في الضفة، فقدوا الأمل في الحلّ السياسي لمشكلتهم، فضلاً عن أن حكومة بنيامين نتنياهو تمنع العمّال الفلسطينيين من الدخول إلى إسرائيل».والواقع أن عوامل عدّة تجعل الضفة بالنسبة إلى إسرائيل الجبهة الأكثر خطورة على الإطلاق، وتكاد تكون الأكثر تهديداً لـ«أمنها القومي»، كونها الخاصرة الرخوة للاحتلال؛ إذ يعيش فيها قرابة 750 ألف مستوطن يمكن أن يشكّلوا أهدافاً في أيّ تصعيد مقبل، بالإضافة إلى ارتباط الضفة بحدود طويلة مع الداخل المحتلّ، مع ما يعنيه ذلك من إمكانية دخول مقاومين لتنفيذ عمليات فدائية داخل «الخط الأخضر»، على غرار «رعنانا». وما يزيد من زخم هذه الجبهة وخطورتها، أن لها حدوداً برية مع الأردن، حيث رفعت إسرائيل من درجة استنفارها خلال العامين الماضيين، بعدما تحوّلت المنطقة إلى منافذ مهمّة ودائمة لتهريب الأسلحة إلى الضفة. أيضاً، تخشى إسرائيل من تنفيذ عمليات تسلّل من الأردن، أو إطلاق نار على المستوطنات القريبة من الحدود، وفق ما كشفت الإذاعة العبرية، مشيرةً إلى أن رؤساء مجالس المستوطنات المحاذية للأردن أبلغوا الوزراء وأعضاء «الكنيست»، بأنه «منذ عدة ليالٍ، كان هناك إطلاق نار قادم من منطقة الأردن في محيط مستوطناتهم»، وهو ما دفع جيش الاحتلال إلى تعزيز قواته هناك وترميم السياج الحدودي. وبحسب إذاعة الجيش، طلب الوزير أوريت شتروك، من رئيس «شعبة الاستراتيجيا» في جيش الاحتلال، اللواء إليعازر توليدانو، خلال اجتماع لمجلس الوزراء، تفاصيل حول إطلاق النار في الأردن، فأجابه الأخير بأن «هناك بالفعل تخوّفات من التسلّل بسبب الوضع المتوتّر، ولكن ليست هناك حاجة للتوسّع في ذلك. لقد كثّف الأردنيون قواتهم على الحدود، وهم يقومون بعمل جيد لمنع التسلّل».
تترجَم التقديرات الأمنية لجيش الاحتلال بتصعيد جرائمه في كلّ مدن الضفة الغربية وبلداتها ومخيّماتها


ميدانياً، تترجَم التقديرات الأمنية المذكورة تصعيداً لجرائم القتل والتنكيل والاعتقال والاقتحام والهدم في كل مدن الضفة الغربية وبلداتها ومخيماتها، يوميّاً، في موازاة انفلات عقال المستوطنين الذين يشنّون بدورهم حرباً شرسة ضدّ الفلسطينيين وممتلكاتهم. وكما كان متوقّعاً، اقتحم العدو، فجر أمس، بلدة بني نعيم، مسقط رأس منفّذَي عملية «رعنانا»: أحمد محمد زيادات (25 عاماً)، ومحمود علي زيدات (44 عاماً)، وداهم منزلَي الشابين وفتّشهما وعاث فيهما خراباً، ونكّل بأفراد أسرتَيهما الذين أجرى معهم تحقيقات ميدانية، قبل أن يأخذ قياسات المنزلين، تمهيداً لهدمهما. وترافق ذلك مع اندلاع مواجهات في البلدة، أَطلقت خلالها قوات الاحتلال الرصاص الحيّ والمعدني المغلّف بالمطاط، وقنابل الصوت والغاز السام المسيّل للدموع، على المواطنين، ما تسبب بإصابة العشرات بالاختناق.
كذلك، شنّت القوات الإسرائيلية، فجر وصباح أمس، حملة اقتحامات وتفتيش طاولت مناطق مختلفة في الضفة، وتخلّلتها اشتباكات ومواجهات في بعض المناطق، أسفرت عن وقوع إصابات في صفوف الفلسطينيين، كانت من بينها إصابة لشاب بجروح خطيرة في قرية قفين شماليّ طولكرم، فضلاً عن اعتقال كثيرين. كما شهدت مدينة نابلس اشتباكات مسلّحة عنيفة بعد استهداف مقاومين آليات للاحتلال اقتحمت المنطقة الشرقية، ما أدى إلى إصابة فتى بشظايا الرصاص، وآخر بفعل الاعتداء بالضرب المبرّح عليه. أيضاً، جرفت الآليات المناطق المحيطة بمخيم عسكر، واقتحمت بلدة بيت فوريك شرقيّ نابلس، وسط اندلاع مواجهات مع عشرات الشبان، فضلاً عن عدّة أحياء في مدينة قلقيلية، حيث اعتقلت أحد المطارَدين بعد مداهمة منزله في حي كفر سابا.
أما الاقتحام الأبرز، فشهدته مدينة رام الله، حيث داهمت قوات كبيرة حيّ الطيرة، ولا سيما منزل الأسير الدكتور أيسر البرغوثي الذي اعتقلته قبل أيام فقط، على خلفية اتهامه بتنفيذ عملية إطلاق نار قرب منطقة «عيون الحرامية» التي كانت تستهدف المستوطنين - لكن قُتِل فيها شاب فلسطيني من بلدة كفر عقب، وأصيبت فتاة بجروح خطيرة -، وقامت بوضع علامات وقياسات داخل منزله بنية هدمه. وشهدت أريحا، ظهيرة أمس، اقتحاماً واسعاً لمخيم عين السلطان، حيث حاصرت قوات الاحتلال أحد المنازل وسط اندلاع اشتباكات مسلّحة مع مقاومين استهدفوا الجنود بعبوة محلية الصنع، واعتقلت شاباً قالت إنه مطلوب، فيما أُصيب آخران بجروح في المواجهات التي اندلعت في المكان.
وممّا لفت، في الساعات الماضية، انفلات عقال المستوطنين، وشنّهم هجمات متزامنة على منازل الفلسطينيين، فضلاً عن إحراق مركباتهم وترويعهم، في أكثر من مكان في الضفة (سُجّل منها إحراق جرافتَين وشاحنة وتخريب مشتل في بلدة دير شرف قرب نابلس). كذلك، هاجم مستوطنون، مساء أول من أمس، منزلاً في بلدة ترمسعيا، إلى الشمال الشرقي من رام الله، بالحجارة وحاولوا إحراقه، ما تسبّب بأضرار مادية في وحدة الطاقة الشمسية الخاصة بالمنزل وعدد من المركبات. وتكرّرت الهجمات عند مفترق «عيون الحرامية»، شمال رام الله، وفي بلدة حوارة، جنوبيّ نابلس، حيث هاجموا منازل المواطنين والمحال التجارية التي أُجبِر أصحابها على إغلاقها، واعتدوا على راعي أغنام جنوب المدينة، وعلى منزل مواطن في بلدة سنجل شمالي رام الله وحطموا زجاج ثلاث سيارات. كما شرع مستوطنون، أمس، في شقّ طريق استيطاني على أراضي المواطنين في مسافر يطا، بطول خمسة كيلومترات، يلتهم 50 دونماً من أراضي قريتَي الركيز وشعب البطم، وغيرها من القرى والخرب في شفا يطا جنوبيّ الخليل.