توزّعت اهتمامات المنتدى الاقتصادي العالمي في منتجع دافوس السويسري، المنعقد في دورته الـ 54، والذي يختتم جدول أعماله غداً الجمعة، حول قضايا متنوعة، كالتوترات الأمنية في الشرق الأوسط، والتغيّر المناخي، والأمن السيبراني، وتطوّر تقنيات الذكاء الاصطناعي، بحضور أكثر من 2800 شخصية، من كبار الاقتصاديين ورجال الأعمال، بمن فيهم مؤسس «منتدى دافوس»، كلاوس شواب، إلى جانب قادة سياسيين ووزراء خارجية، أبرزهم: رئيس الحكومة الصينية لي تشيانغ، والرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، ورئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لايين، فضلاً عن حضور رؤساء كبريات المنظمات الدولية، كالأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو غوتيريش، ومديرة «صندوق النقد الدولي»، كريستالينا جورجيفا، إضافة إلى رئيس مجموعة «البنك الدولي»، أجاي إس بانجا.
«دافوس» في مناخ عالمي متوتّر
على رغم الطابع الاقتصادي للمنتدى، الذي حمل شعار «إعادة بناء الثقة»، ورهانات المشاركين فيه على تجاوز الاقتصاد العالمي تبعات «أزمة كورونا»، فقد هيمنت الأزمات الدولية والإقليمية، والأجندة الجيوسياسية المصاحبة لها، بدءاً بأوكرانيا وليس انتهاءً بالعدوان الإسرائيلي على غزة، وما استتبعه من تطوّرات في البحر الأحمر، على أجواء المؤتمر. ولفتت إلى ذلك، مديرة «صندوق النقد»، حين حذّرت من «التبعات التدميرية» للحرب في غزة على النشاط الاقتصادي في المنطقة، ملمّحةً أيضاً إلى مخاطرها على الاقتصاد العالمي ككلّ. وفي السياق نفسه، أكد رئيس المنتدى، بورغي بريندي، أن المؤتمر الذي بدأ أعماله الاثنين الماضي، يأتي «في السياق الجيوسياسي والاقتصادي الأكثر تعقيداً منذ عقود»، مشيراً إلى «مخاوف من حصول تصعيد» بسبب الحرب المتواصلة في غزة.

بلينكن: لقيام سلطة فلسطينية «قادرة» تحظى بدعم إسرائيل!
على هامش مشاركته في المنتدى، أفاد مستشار الأمن القومي الأميركي، جايك سوليفان، بأن رؤية بلاده لِما بات يعرف بـ»سيناريو اليوم التالي» للحرب في القطاع «تشمل التطبيع الإقليمي والأمن لإسرائيل ودولة للفلسطينيين»، مضيفاً: «(إنّنا) نعمل على مسار التطبيع مع الشركاء في المنطقة»، إلى جانب تعهّده بـ»مواصلة العمل مع باقي الدول لتأمين الإفراج عن الأسرى في غزة وضمان وصول الغذاء إلى الشعب الفلسطيني». بدوره، اعتبر وزير الخارجية الأميركي، أنتوني بلينكن، أن الدول العربية ليست مهتمّة بالمشاركة في إعادة إعمار غزة، إذا كان القطاع الفلسطيني «سيُسوّى بالأرض» مجدّداً في بضعة أعوام، في إشارة إلى اشتراط دول خليجية قيام «دولة فلسطينية» قبل مناقشة مرحلة ما بعد الحرب، مشدّداً، في مقابلة مع شبكة «سي إن بي سي» الأميركية، على أهمية قيام «الدولة الفلسطينية». تلك التصريحات المتلفزة، أتبعها بلينكن، بكلمة ألقاها في المنتدى، دعا فيها إلى ضمان «عيش الإسرائيليين بسلام»، لعدم تكرار ما جرى في السابع من تشرين الأول. ورأى أن «التحدّي الآن هو مدى استعداد المجتمع الإسرائيلي للتعاون لتحقيق رؤية جديدة مع المنطقة وشعوبها»، موضحاً أنه «لن يحصل تكامل من دون الاعتراف بدولة فلسطينية».
كما دعا إلى «تطوير سلطة فلسطينية خاضعة للإصلاح، وقادرة على الاعتناء بشعبها»، معتبراً، في الوقت نفسه، أنّ «أيّ سلطة فلسطينية لا تحظى بدعم إسرائيل لن تستطيع تقديم ما يتطلّبه الأمر للشراكة بين الطرفَين». ولفت إلى أن ثمة فرصة كبيرة لتطبيع إسرائيل علاقاتها مع عدد من بلدان الشرق الأوسط، كاشفاً أنّ «هناك دولاً عربية وإسلامية تبدي استعدادها للتطبيع مع إسرائيل للمرّة الأولى والاعتراف بها». وبخصوص الاتفاق النووي الإيراني، أقرّ الوزير بأن انسحاب إدارة الرئيس الأميركي السابق، دونالد ترامب، منه «كان خطأً كبيراً».
هيمنت الأزمات الدولية والإقليمية، والأجندة الجيوسياسية المصاحبة لها، على أجواء المؤتمر


ابن فرحان: التطبيع لا يزال ممكناً
في مؤشر إلى انفتاح دول الخليج على الجهود الأميركية للتطبيع، صرّح وزير الخارجية السعودي، فيصل بن فرحان، بأن بلاده قد تعترف بإسرائيل إذا جرى حلّ الأزمة الفلسطينية، داعياً إلى «خطوة أولى» تتمثّل في وقف إطلاق النار في غزة. وإذ انطلق من صعوبة تحقيق الأهداف الإسرائيلية في الحرب، فهو دعا إلى إفساح المجال لمسار يمكّن الجانب الفلسطيني ويسمح بالمضيّ قُدُماً نحو «السلام»، موضحاً أن «أولويتنا إيجاد مسار للتهدئة» في المنطقة، يشمل وقفاً لإطلاق النار في غزة. كما شدّد على أهمية الحفاظ على «حرية الملاحة في البحر الأحمر»، مضيفاً أنّ «الأولوية يجب أن تكون لخفض التصعيد هناك، وفي المنطقة بأكملها»، لأن «استمرار المعاناة في غزة غالباً سيخلّف دوائر لا تنتهي من العنف».
من جهته، أكد رئيس الوزراء القطري، محمد بن عبد الرحمن آل ثاني، أن نزع فتيل الصراع في غزة سيوقف التصعيد على جبهات أخرى، مشيراً إلى ضرورة حثّ إسرائيل على الموافقة على مسار إلزامي ومحدَّد لـ»حلّ الدولتين»، ولافتاً إلى أنّ «العرب طرحوا حلولاً ومبادرات» على هذا الصعيد. وأضاف آل ثاني أنّ الفلسطينيين «هم مَن يجب أن يقرّروا ما إذا كانت حماس ستواصل القيام بدور سياسي في المستقبل» في الأراضي الفلسطينية المحتلّة، موضحاً أنّ «الوضع في الضفة الغربية لا يقلّ سوءاً عن غزة، ولا نرى ردّ فعل حقيقيّاً من المجتمع الدولي». وعن الأزمة المتفجّرة في البحر الأحمر، لمّح الوزير القطري إلى أنّ الضربات العسكرية الأميركية والبريطانية في اليمن لن تحتوي هجمات حركة «أنصار الله» من دون جهود ديبلوماسية لوقف التصعيد في غزة، معتبراً أنّ «الوضع الإقليمي الحالي وصفةٌ للتصعيد في كل مكان».
على خلفية تلك التصريحات، يرى محلّلون غربيون أنّ دول الخليج تراهن على أن يكون عام 2024 هو «عام التهدئة» في المنطقة، لسبب بسيط، هو أنّ قادة تلك الدول باتوا يصبّون جُلّ تركيزهم على خطط طموحة لتنويع اقتصادات بلدانهم، فيما يبرز التحدّي الرئيسيّ أمامهم، والمتمثّل في عودة الزخم إلى القضية الفلسطينية». وتشير مجلة «ذي إيكونوميست» إلى أن قطر تجد نفسها «مكشوفة» أمام جملة مخاطر، ما يجعلها معنيّة بالدرجة الأولى بالعمل على «الحفاظ على كيانها، وصون وجودها»، وخصوصاً أنها حليفة للولايات المتحدة، من جهة، وداعمة لحركة «حماس» من جهة ثانية، مؤكدة وجود «مؤشرات ذعر» داخل الإمارة الخليجية الصغيرة، بسبب الحرب في غزة، والضغوط التي قد تولّدها مستقبلاً عليها. أما السعودية، فهي، على غرار الإمارات، تتقاطع مع إسرائيل في «الرغبة في إضعاف حماس»، وفي الوقت نفسه، تبدي حرصاً على «لجم إمكانية وقوع مواجهة أوسع مع إيران.
ومع ذلك، تتوقف «ذي إيكونوميست» عند تباينات في موقف كلّ من الإمارات والسعودية حيال حرب غزة، مبيّنة أن أبو ظبي انتهجت سياسة مغايرة لنظيراتها من العواصم العربية، التي انتقدت حكومة بنيامين نتنياهو، كالرياض، ذلك أن البيانات الرسمية الإماراتية عقب أحداث السابع من أكتوبر، مالت إلى «التعاطف» مع الجانب الإسرائيلي، بدافع مقت أبو ظبي لتنظيمات «الإسلام السياسي»، قبل أن يتحوّل الموقف الإماراتي، ضمن «مسرحية ديبلوماسية»، نحو إدانة العمليات العسكرية الإسرائيلية في غزة. أما السعودية، فحاولت أن تتبنّى «موقفاً وسطيّاً» من الحرب، والشاهد على ذلك، انتقاد رئيس جهاز الاستخبارات السعودي السابق، تركي الفيصل، حملةَ «القصف العشوائي» على القطاع، في موازاة تأنيبه «حماس» بدعوى ارتكابها أفعالاً لا تتوافق مع تعاليم الدين الإسلامي.
وبالاستناد إلى مواقف الفيصل مطلع الحرب، وما جاء أخيراً على لسان بن فرحان، تقول المجلة إنّ «السعودية لم تغلق الباب أمام مسار التطبيع مع إسرائيل»، متوقّفة عند الضغوط الأميركية المتواصلة على الرياض منذ أشهر من أجل دفعها في هذا الاتجاه. وتوضح المجلة أنّ المحادثات لإطلاق عملية التطبيع لا تزال جارية من خلف الكواليس، وإن «بثمن أعلى ستتحمّله إسرائيل»، مبيّنة أن السعوديين راضون عن الضغط الذي تمارسه واشنطن على تل أبيب في الآونة الأخيرة «من أجل انتزاع مكتسبات منها، ولو رمزية تجاه الفلسطينيين، بصورة لن تنهي الاحتلال بالضرورة، بقدْر ما ستجعله أقلّ إيلاماً (للفلسطينيين)».
وعلى وقع انعقاد «منتدى دافوس»، يلفت خبراء اقتصاديون إلى وجود إجماع في أوساط المجتمعين في المنتجع السويسري على خطورة استمرار الحرب في غزة على الاقتصاد العالمي، وخاصة ما يتعلّق منها بآفاق الاستثمار في الشرق الأوسط، وإمدادات الطاقة، في ضوء استبعاد أن تؤتي أيّ من الرؤى الاقتصادية الطموحة لمستقبل المنطقة ثمارها إذا ما بقي خطر تلك الحرب قائماً، وسط تصاعد الاحتمالات بإمكانية توسّعها يوماً بعد يوم.