رام الله | لم تمرّ ساعات على إطلاق وزير الأمن الإسرائيلي، يوآف غالانت، تقديرات في شأن احتمال اشتعال الأوضاع في الضفة الغربية، حتى ألقى جيش الاحتلال بمزيد من أعواد الثقاب الكفيلة بتعجيل هذا الحريق. ففي ساعات صباح الأربعاء الأولى، نفّذ الجيش الإسرائيلي عمليتَي اغتيال بالطائرات المسيّرة في مخيمَي بلاطة وطولكرم، استشهد فيهما 11 مقاوماً، في تطوّر يرسم ملامح التصعيد الذي ترتقبه الضفة، والذي سيكون القصف الجوّي ركيزته، على غرار تجربة الانتفاضة الثانية، علماً أن إسرائيل رفعت من مستوى الاعتماد عليه، منذ 7 أكتوبر حيث قالت «الإذاعة العامة الإسرائيلية» إن الجيش نفّذ مذاك «40 غارة جوية، بينها غارتان نفذتهما طائرتان حربيتان، والبقية لطائرات مسيرة»، طاولت مخيمات نور شمس، طولكرم، جنين، بلاطة، ووادي برقين. وبات الفلسطينيون مقتنعين بأن إسرائيل ذاهبة في اتّجاه توسيع عدوانها على الضفة، حيث تعمل على دعم قواتها بالوحدات التي سحبتها أخيراً من قطاع غزة، في محاولة لتحقيق ما عجزت عنه منذ سنوات، وهو إنهاء حالة المقاومة والاشتباك المتصاعدة، عبر تكرار أساليب التدمير والقتل التي تمارسها في القطاع.وفي مخيم طولكرم، شمالي الضفة الغربية، اغتال جيش الاحتلال أربعة فلسطينيين، وأصاب آخرين بجروح خطيرة، بعضهم باستهداف مركبتهم بطائرة مسيّرة، ومنع سيارات الإسعاف من الوصول إليهم. وكان قد حاصر جنود العدو المخيم، وتحديداً مكان القصف، فيما تصدّت لهم قوى المقاومة باستخدام عبوات ناسفة محلّية الصنع. ووفقاً لمصادر محلّية تحدّثت إلى «الأخبار»، فإن «طائرة الاحتلال استهدفت مجموعة من الشبّان وتركتهم ينزفون لأكثر من ثلاث ساعات بعد منع الإسعاف من الوصول إليهم. وبعد ذلك، تمكّنت سيارات الإسعاف من نقلهم إلى المستشفى الحكومي، وأعلن عن أسمائهم، وهم: أحمد بدو (17 عاماً)، وليد غانم (17 عاماً)، أحمد فرج (18 عاماً)، أحمد مهداوي (35 عاماً)». وفي وقت لاحق، أُعلن عن استشهاد الشاب محمد سليط، إلا أن وزارة الصحة لم تتلقَّ جثمانه الذي احتجزته قوات الاحتلال، كما استشهد الشاب أشرف ياسين (22 عاماً)، بعد إطلاق النار على مركبته في عزبة الجراد في محيط «مدرسة مسقط»، ليرتفع عدد شهداء طولكرم إلى ستة منذ الصباح.
وبدأت العملية العسكرية التي استهدفت مدينة طولكرم ومخيمها، في الرابعة من فجر أمس، حيث شرعت الجرافات العسكرية في أعمال تخريب وتدمير لممتلكات المواطنين والبنية التحتية، بينما حاصرت قوات الاحتلال المخيم من مداخله كافة عبر نشر الآليات العسكرية في الشوارع والأحياء المؤدية إليه، ونشرت قناصتها على أسطح المباني العالية. كما تمركز عدد من الآليات عند مداخل مستشفيَي «الإسراء التخصّصي» في الحي الغربي، و«الشهيد ثابت ثابت» الحكومي القريب من المخيم، ومنعت الخروج منه أو الدخول إليه.
كذلك، عمدت جرافات الاحتلال إلى تجريف مدخل المخيم الشمالي وشارع مدارس الوكالة وشارع حارة العكاشة، فيما جرى تهشيم مداخل عدد من المنازل والمحال التجارية، والنصب التذكاري للشهيد مهدي الحلو. كذلك، اقتحم جيش العدو حارات الربايعة والغانم والنادي والبلاونة، ونشر «المشاة» في أزقّتها. وشهد المخيم، منذ لحظة اقتحامه، اشتباكات مسلّحة عنيفة، أطلق أثناءها المقاومون صليات الرصاص، وفجّروا العبوات الناسفة بآليات الاحتلال والقوات الراجلة في أكثر من محور، في حين انتشرت دوريات الاحتلال في مختلف أحياء المدينة وتحديداً تلك الغربية والجنوبية والشرقية المؤدية إلى مخيم طولكرم، وداهمت عدداً من منازل المواطنين بعد تكسير أبوابها وتخريب محتوياتها وإخضاع سكانها للاستجواب.
أعلن جيش الاحتلال اغتيال قائد «كتائب شهداء الأقصى» في مخيم بلاطة، عبد الله أبو شلال


وسبقت عمليات الاغتيال في طولكرم، عملية اغتيال قرب مخيم بلاطة في مدينة نابلس، استهدفت مجموعة من أبرز قادة المقاومة في المخيم. واستشهد هؤلاء جراء إطلاق صاروخ من طائرة مسيرة على المركبة التي كانوا يستقلّونها، بالتزامن مع اقتحام قوات الاحتلال المخيم، ومداهمة عدد من منازل المواطنين. ووفقاً لشهود عيان، فإن «طائرة مسيّرة قصفت مركبة قرب مفرق بردى في محاذاة مخيم بلاطة، ما أدى إلى انفجارها واشتعال النيران فيها، فيما منعت قوات الاحتلال الطواقم الطبية من الوصول إلى المكان بعد محاصرته، وصادرت المركبة واحتجزت جثامين الشهداء في داخلها. وبعد ذلك، استطاعت طواقم الهلال الأحمر تجميع بعض أشلاء أحد الشهداء التي كانت موزعة في مكان الاستهداف».
ولاحقاً، أعلن جيش الاحتلال اغتيال قائد «كتائب شهداء الأقصى» في مخيم بلاطة، عبد الله أبو شلال، وأربعة مقاومين، هم: محمود أبو حمدان، والشقيقان سيف ويزن النجمي، ومحمد القطاوي. ويُعدّ أبو شلال أحد أبرز المطلوبين في الضفة، وسبق لجيش الاحتلال أن هدم منزل عائلته ثلاث مرّات، آخرها قبل خمسة أشهر للضغط عليه لتسليم نفسه. كما نجا من أربع محاولات اغتيال سابقة، آخرها قبل أسابيع عندما قصف جيش العدو بطائرة حربية مخيّم بلاطة، ما أدى إلى استشهاد خمسة شبان. واحتلّ خبر اغتيال أبو شلال حيّزاً في وسائل الإعلام العبرية، إذ زعم جيش الاحتلال و«الشاباك» أنه مسؤول عن خليّة نفّذت سلسلة عمليات مقاومة في العام الأخير، منها عملية إطلاق نار في منطقة الشيخ جراح في شهر أيار الماضي، وفيها جرح مستوطنان، وتفجير عبوة ناسفة ضدّ قوّة من جيش الاحتلال في أكتوبر الماضي، أدت إلى جرح جندي.
وأفاد جيش الاحتلال بأن اغتيال الخليّة تمّ من الجو، بعد معلومات استخبارية وصلت إلى جهاز «الشاباك» بأن عبد الله أبو شلال وخليّته خطّطا لتنفيذ عملية على المدى القريب. وبعد الاغتيال، تمّ العثور على سلاح من نوع «ماغ» في مركبتهم، وبندقية من نوع «M16»، ورصاص وقطع أسلحة مفكّكة من أنواع مختلفة، كما عُثر في المكان على بقايا متفجرات وزجاجات حارقة اشتعلت. ووفقاً لـ «القناة 12» العبرية، فإن أبو شلال مطلوب، منذ عام 2021، وتمكّن من الإفلات من عدّة محاولات اغتيال، منها تفجير بيته. وقد شكّل مع خليّته بنية تحتية مركزية للمقاومة في الضفة الغربية. وبحسب جيش الاحتلال، تلقّت الخلية التمويل والتوجيه من عناصر في إيران بالتعاون مع فصائل المقاومة في غزة والخارج. وفي تعقيب على عمليات الاغتيال، قالت حركة «الجهاد الإسلامي» إن «لجوء العدو إلى الاغتيال باستخدام المسيّرات في الضفة، يثبت عجزه عن مواجهة المقاومين في الميدان والأثمان الباهظة التي يتكبّدها جرّاء المقاومة الضارية والشجاعة».
في غضون ذلك، اقتحمت قوات الاحتلال، فجر أمس، مناطق واسعة في الضفة الغربية، منها أحياء عدّة في مدن رام الله والخليل وقلقيلية، واعتقلت أكثر من 45 مواطناً.