يبدو أن حالة التوتّر في «كابينيت الحرب» الإسرائيلي، وخصوصاً بين رئيس الحكومة، بنيامين نتنياهو، والوزيرَين من «المعسكر الوطني»، بيني غانتس وغادي آيزنكوت، تقترب من لحظة الحقيقة التي قد يُعلِن فيها الأخيران استقالتيهما، على خلفية التباينات الجوهرية حول الحرب المتواصلة على قطاع غزة، وأهدافها وأولوياتها. فبالنسبة إلى رئيس «المعسكر الوطني»، ثمة سبع نقاط ينبغي حسمها، تتمحور، وفق «القناة 12»، حول ما الذي ينبغي القيام به في مسألة السيطرة على معبر رفح ومحور صلاح الدين (فيلادلفيا)، وطرق التهريب، وكذلك مناقشة إمكانية تحقيق أهداف الحرب، وما إذا كانت هناك حاجة إلى إعادة تعريفها، وخصوصاً ما يتّصل منها بموضوع الأسرى، إلى جانب وضع تصوّر لـ«اليوم التالي» ومستقبل الإدارة المدنية للقطاع، وبحث مسألة النازحين عن مستوطنات «غلاف غزة»، وتلك المحاذية للحدود اللبنانية شمالاً، والسؤال عن موعد إعادتهم.هكذا، يدفع غانتس وآيزنكوت في اتّجاه اتّخاذ قرارات في شأن هذه القضايا، وهما انضمّا إلى التحذيرات التي أَطلقها رئيس هيئة أركان جيش الاحتلال، هرتسي هليفي، ووزير الأمن، يوآف غالانت، من أن «إنجازات» الحرب ستبدو مختلفة في حال لم يقدّم المستوى السياسي مساهمته الواضحة والمكمّلة لها. لكن الردّ الذي جاء من مكتب نتنياهو على طلب غانتس، لا يؤشر إطلاقاً إلى أن رئيس الحكومة يعتزم تغيير أدائه. وعلى هذه الخلفية، كرّر المحلّل العسكري لصحيفة «هآرتس»، عاموس هرئيل، الإشارة إلى أن هدفَي الحرب: تفكيك القدرات العسكرية والسلطوّية لـ"حماس"، وإعادة المختطفين، "لا يتضاربان في هذه المرحلة فحسب، بل إنهما لا ينسجمان مع الجدول الزمني للمعركة"؛ فبعد هجوم «طوفان الأقصى»، خطّط الجيش لـ«مناورة برّية» من أربع مراحل، وكان من المفترض للمرحلة الثالثة التي أُعلن أخيراً انطلاقها، أن تبدأ خلال الأشهر الثلاثة الأولى، فيما يتحدّث الجيش الآن عن أشهر عديدة من القتال المُركّز، قبل أن يستقرّ الوضع في غزة ويزول التهديد. وبحسب هرئيل، فإن الجدول الزمني لإتمام هذه المراحل الأربع، «لا يتّسق مع الأخطار الفعلية المتصاعدة على حياة المختطفين»، بينما يقدّر الجيش، بناءً على معلومات استخبارية، أن 20 من هؤلاء قضوا في الأسر، وأن الأحياء منهم يعيشون ظروفاً نفسية عصيبة، وتخشى عائلاتهم من أن يقتلوا نتيجة القصف العشوائي، كما حصل أكثر من مرّة. وعلى رغم أن الضغط العسكري المكثّف لم يفضِ إلى إطلاق سراح أيّ من هؤلاء، لا يزال وزير الأمن، يوآف غالانت، متمسّكاً بمبدأ الضغط العسكري، فيما يكرّر نتنياهو «تصريحاته الفارغة: سنقاتل حتى النصر»، وذلك لاعتبارات سياسية تحكم أجندة الرجل الخائف من انفراط ائتلافه الحكومي.
يدفع غانتس وآيزنكوت في اتّجاه اتّخاذ قرارات في قضايا مثل الأسرى و«اليوم التالي»


على أن ما تقدّم لا يفتأ يمزّق مجلس الحرب. ففي مقابل نتنياهو، يقف كلّ من غالانت والوزير رون ديرمير، المعارضين لاتفاق وقف إطلاق نار طويل الأمد، والإفراج عن آلاف الأسرى الفلسطينيين، لأن هذا «سيُحسب في هذه المرحلة انتصاراً لحماس». أمّا غانتس وآيزنكوت، إضافة إلى رئيس حزب «شاس» الحريدي، آريه درعي، فيطالبون بتحقيق ذلك، بمعزل عن الثمن الذي ستدفعه إسرائيل، «انطلاقاً من الالتزام الأخلاقي للدولة تجاه أسراها، الذين تركوا لمصيرهم بسبب فشل أمني فادح». أيضاً، ثمّة تباينات في المواقف حول سير المعارك العسكرية؛ «فقد يكون قائد الفرقة 98، دان غولدفوس، هو الرجل الأكثر تصميماً في الشرق الأوسط، غير أن الجهود المكثّفة التي يقودها في خانيونس لتحديد مكان كبار مسؤولي حماس والأسرى، لم تسفر عن نتائج إلى الآن»، بحسب هرئيل.
في موازاة ذلك، يتزايد، طبقاً للمحلّل العسكري، الإحباط لدى المستويَين القياديَّين للجيش وجهاز «الشاباك»، وسط تحذيرات من احتماليّة تآكل الإنجازات التي تحقَّقت في شمال القطاع، بسبب الاعتبارات السياسية الحاكمة لدى نتنياهو. وفي هذا الإطار، يعتبر هرئيل أن رئيس الحكومة، بعدم استجابته للمطالب الأميركية بوضع تصوّر لمستقبل القطاع والجهة التي ستحكمه، يستجيب لشركائه في كتلة «الصهيونية الدينية»، موحّداً إياهم حول وعد بأنه «الوحيد الذي سيمنع إقامة دولة فلسطينية»، وربّما يبني في خلال ذلك «آمالاً على الاحتكاك المتواصل مع إدارة بايدن، بحيث يستطيع بهذه الطريقة تحويل المسؤولية عن عدم تحقيق أهداف الحرب، في انتظار فوز قد يكون من نصيب دونالد ترامب في الانتخابات الرئاسية، نهاية العام الجاري».
وتنسحب الخلافات على مسائل أخرى خارج القطاع، من مثل تحويل أموال المقاصة إلى السلطة الفلسطينية، وإعادة العمال الفلسطينيين إلى داخل إسرائيل، والتي تحذر الأجهزة الأمنية من أن الامتناع عنها ستسهم في انفجار وشيك في الضفة بسبب الوضع الاقتصادي المتردّي. وفي الجبهة الشمالية، لا يبدو أن الضربات التي يوجّهها الجيش في جنوب لبنان ذات فاعلية؛ «صحيح أنه ليس هناك فقدان للسيطرة، ولكن المجريات تكفي لوصف الوضع بأنه لا يُطاق؛ فقد دُفن في جنح الليل أُمّ وابنها قتلهما حزب الله بصاروخ مضاد للدروع في مستوطنة كفار يوفال، مع عدد محدود من المشاركين في الجنازة». ومن الناحية العملية، بحسب هرئيل، فإن «حزب الله يفرض سيطرته من خلال شريط أمني في الأراضي الإسرائيلية، يمتد عدة كيلومترات من الحدود، أمّا الحكومة فتردّ بخطاب أجوف».
وبناءً على كل ما سبق، يقدّر هرئيل أنه يبقى أمام غانتس وآيزنكوت «بضعة أسابيع» حتى يصلا إلى لحظة الحقيقة؛ حيث قد يتّخذان قراراً في شأن الاستقالة من الحكومة احتجاجاً على عدم إحراز تقدُّم في مسألتَي الأسرى الإسرائيليين و«اليوم التالي». وخطوة مثل هذه، قد تقوّي تحالف نتنياهو مع شركائه في اليمين المتطرّف، لكنها في الوقت نفسه ربّما تكون بمثابة إشارة إلى موجة احتجاجية ضخمة توقّعها كثيرون. ويتساءل المحلّل عما إذا كان ذلك سيترجم بتحرّكات في الشارع حتى في ظلّ الحرب المتواصلة على جبهتَي الشمال والجنوب، على اعتبار أن الأسباب الموجبة للاحتجاجات عديدة، «فيما من المحتمل ألّا تبدأ التحركات إلا بعد تحرّك سياسي يحلّ حكومة الوحدة».