غزة | في الوقت الذي كان فيه أبو أمجد يرتّب ما استطاع تحصيله من أرضه من محصول البرتقال على بسطته لبيعه، سقطت قذيفة في الشارع الرئيسيّ في مشروع بيت لاهيا شمال قطاع غزة. لم يهرع المئات من المواطنين من المنطقة التي اكتظّت أخيراً بالسكان العائدين، إلى مكان سقوط القذيفة، كما كان يحصل في بداية الحرب. يعبّر الرجل عن الفكرة بالقول: «يمكن القول إن الأهالي باعوها: ما عادت تفرق معهم. رجعنا على اللي ظل من بيوتنا، رغم القصف المدفعي الذي لم يتوقّف. ذقنا في مراكز الإيواء من النكد وصعوبة العيش، أكثر مما نحتمل. واليوم هناك رحيل من البيوت مجدّداً».في سوق مشروع بيت لاهيا، يجول الأهالي في حركة خالية من أي هدف. السلع شحيحة جداً: قليل من البرتقال وطحين القمح على جانبَي الطريق. وفي مكان آخر، يجتمع العشرات حول القليل من محصول الباذنجان المتحجّر: «الكيلو بعشرين شيكلاً، يعني 7 دولارات. وهو غير صالح للأكل»، يقول الحاج أحمد أبو جراد. ويوضح في حديث إلى «الأخبار»: «والله ما ملاقيين إشي نشتريه. شايف اللحم الطازج هذا؟ سعر الكيلو 70 شيكلاً. يعني حتى الغني فينا، لا يقدر على إطعام أولاده».
أبو حمزة دردونة، وهو واحد من الذين قرّروا العودة أيضاً، يقف في نهاية طابور طويل لتعبئة الماء من أحد خطوط الماء التي حفر الأهالي عميقاً للوصول إليها. يقول لـ«الأخبار»: «رغم كل الظروف إللي عايشينها، لكن المبيت في البيت، أقصد بيتنا أو بيت أي أحد من الأهل، أكرم من العيش في مركز إيواء. إحنا بنخوض معركة لنحصل على غالون ماء كل يوم، ومعارك أخرى لنحصل على الحطب والأكل، لكن كله بهون وبيعدّي». إلى تل الزعتر، الحي الذي دُمّرت أكثر من 80% من منازله وشوارعه، عاد السكان، وبدأوا هناك نشاطاً طوعياً لفتح الشوارع وتشغيل آبار المياه الجوفية. هناك، يعمل سيف الدين المبحوح من الصباح الباكر، على إزالة الركام ونقل أكوام القمامة. يمتلك الشاب جرافة هي الوحيدة التي سَلِمت من التدمير، وقد كرّسها لمهمة إعادة تأهيل الأحياء المدمّرة». يقول لـ«الأخبار»: «هذه الجرافة هي الوحيدة التي بقيت في شمال غزة. كل العبء عليها. الناس قررت ترجع، وصار لازم نهيّئ الأوضاع قدر المستطاع للعودة».
على أن ذلك الهدف الكبير، الذي يحتاج إلى إمكانات كبيرة لتحقيقه، دونه الشحّ الحاد في وقود السولار. ويوضح المبحوح: «نشتري السولار بخمسة أضعاف ثمنه من السوق السوداء. فِش حل غير هيك، تكلفة فتح شارع واحد تتجاوز ما ثمنه 200 دولار من الوقود. الشغل هذا بدو شركات مقاولات كبيرة ودول». بدوره، يؤكد المهندس علاء العطار، وهو رئيس بلدية بيت لاهيا، أن جيش العدو دمّر 80% من الجرافات والشاحنات والمقدّرات اللوجستية للبلدية، ما عطّل إمكانية تقديم استجابة كاملة لكل المناطق التي تحتاج إلى إعادة تأهيل سريع.