يكاد صوت الخلافات السياسية في الكيان الإسرائيلي، يعلو صوت المدافع، والذي خَفَتَ إلى حدّ ما في قطاع غزة، فيما انفجرت التباينات على المستوى السياسي، وكذلك بين المستويَين السياسي والأمني. ولعلّ ما يجري هذه الأيام، في زمن الحرب، ليس سوى «بروفا» مصغّرة لما سيكون عليه المشهد في اليوم الذي يليها، أي حين يبدأ التحقيق والمحاسبة، قانونياً وشعبياً. ومن هنا، يُفهم رفض رئيس الحكومة الإسرائيلية، بنيامين نتنياهو، بحث مسألة «اليوم التالي»، كون الرجل سيكون أول مَن تُوجَّه إليهم أصابع الاتهام. ولذا، فهو يعمل على تأجيل تحميله المسؤولية، مهما كلّفه الأمر، أو كلّف الكيان كلّه، في سلوك بات يُقلق أصدقاء إسرائيل حتى، ومن بينهم الأميركيون، الذين يتعمّق الاعتقاد لديهم بأن نتنياهو يطيل الحرب لغاية في نفسه.وفي ضوء الخلافات المتصاعدة، اندلعت، مساء أمس، موجة جديدة من التصريحات النارية المتبادلة بين مسؤولي الحكومة، وبينهم وبين المعارضة، حتى ظهر أنه ليس ثمة على الطاولة ما يجمع هؤلاء الذين يختلفون على كل شيء تقريباً، بما في ذلك «صفقة الأدوية» التي أُعلن عن التوصّل إليها بوساطة قطرية، ورعاية أميركية، ومساعدة فرنسية. وتقضي الصفقة، التي أصبحت سارية ابتداءً من أمس، بإدخال أدوية وشحنة مساعدات إنسانية إلى المدنيين في قطاع غزة، ولا سيما الموجودين في المناطق الأكثر تضرّراً، في مقابل إيصال الأدوية إلى محتاجيها من الأسرى الإسرائيليين. وفي هذا الجانب، كشف عضو المكتب السياسي لحركة «حماس»، موسى أبو مرزوق، أمس، عن شروط جديدة لتسليم الأدوية للأسرى، أبرزها «منع تفتيش شحنات الأدوية من قِبَل جيش العدو». وعند هذه النقطة تحديداً، اندلعت الخلافات في إسرائيل، إذ ذكرت «القناة 12» العبرية، أن «إسرائيل وافقت على نقل الأدوية إلى الرهائن في غزة من دون تفتيش، وهذه هي المرّة الأولى التي تدخل فيها معدّات إنسانية من دون تفتيش». وبينما أعلن مكتب نتنياهو أن التفتيش ليس من مسؤوليات رئيس الحكومة، رامياً بهذه المسؤولية على عاتق الأجهزة الأمنية، طالب وزير الأمن القومي، إيتمار بن غفير، نتنياهو، بـ«التوقّف عن محاولة تجنّب تحمُّل المسؤولية». أيضاً، كشفت «هيئة البث الإسرائيلية» أن «نتنياهو أقصى وزير أمنه، يوآف غالانت، عن اتصالات إدخال الدواء إلى قطاع غزة»، ليأتي الردّ على لسان زعيم المعارضة، يائير لابيد، الذي اعتبر أن «الأنباء عن إقصاء وزير الأمن عن المداولات، شهادة على أن في (الكيان) رئيس وزراء غير كفْء». وفي أعقاب تلك المشاحنات، ذكرت صحيفة «يديعوت أحرونوت» العبرية، أن نتنياهو عاد ووجّه الجيش بتفتيش شاحنات الأدوية قبل دخولها إلى غزة.
تتعمّق الخلافات بين أعضاء الحكومة وأعضاء «كابينت الحرب»، حول طريقة إدارة الحرب في غزة


في هذا الوقت، تتعمّق التباينات بين أعضاء الحكومة وأعضاء «كابينت الحرب»، حول طريقة إدارة الحرب، والتعامل مع تحدّي الأسرى لدى «حماس». وذكرت «القناة 13» العبرية أن «نتنياهو عرقل، في الأيام الأخيرة، مقترحاً لصفقة تبادل أسرى صاغه وزراء مجلس الحرب»، ليردّ ديوانه بأن «رئيس الحكومة رفض فقط طلب حماس إنهاء الحرب». وأشارت القناة إلى أن «إسرائيل تعمل على صياغة مبادئ لمفاوضات جديدة على صفقة تبادل أسرى». وعلى هذه الخلفية، علا صراخ بن غفير الذي يرفض أيّ حديث عن صفقة تفضي إلى وقف الحرب، إذ نقلت «القناة 7» الإسرائيلية عنه قوله إن «نتنياهو يرتكب أخطاء، وإذا توقّفت الحرب فلن تكون هناك حكومة»، وأنه «لا مفرّ من بدء حرب حقيقية في الشمال مع لبنان». وختم بن غفير بتهديد واضح لنتنياهو، قائلاً: «علينا احتلال غزة، وأمام نتنياهو خياران: إمّا طريقي، أو طريق غانتس».
وفي سياق متصل، نقلت وسائل إعلام العدو، عن مصادر في حزب «الليكود»، قولها إن الأخير «اقترح على رئيس المعارضة، يائير لابيد، الانضمام إلى الحكومة حتى لو كان المقابل إخراج بن غفير منها، وذلك في سبيل استمرار حكومة الوحدة مع لابيد لسنة واحدة». ووفق تقارير إعلامية، فإن «الليكود وجّه دعوة إلى رئيس حزب «يسرائيل بيتنا»، أفيغدور ليبرمان، للانضمام إلى حكومة وحدة بمشاركة لابيد». ولكنّ «الليكود» نفى ذلك، واصفاً تلك الأخبار بأنها «كاذبة تماماً ولا معنى لها، وهي محاولة لتفكيك حكومة الوحدة في زمن الحرب». على أن تسريب مثل هذه الأنباء، يمكن أن يكون تهديداً لبن غفير وزملائه المتطرّفين، بأن بديلهم موجود في اليد.