رام الله | أجّجت العملية الفدائية الأخيرة في مدينة «رعنانا»، والتي نفّذها شابان من مدينة الخليل، الخلافات في الأوساط الإسرائيلية حول مسألة إدخال العمال الفلسطينيين من الضفة الغربية إلى داخل الخط الأخضر، بين من يعتقد بضرورة السماح بذلك لتهدئة الأوضاع في الضفة، وبين من يرفضه مطلقاً. وتعتقد المؤسسة الأمنية الإسرائيلية أن بقاء أكثر من 200 ألف فلسطيني كانوا يعملون في الداخل المحتل قبل 7 أكتوبر، وباتوا الآن عاطلين من العمل، على حالهم، وما يؤدي إليه هذا من تدهور للوضع الاقتصادي في الضفة، من شأنه أن يدفع الوضع الأمني هناك نحو مزيد من التعقيد والتدهور. ولذا، أيّد وزير الجيش، يوآف غالانت، قبل ساعات من عملية «رعنانا»، إعادة العمال الفلسطينيين، إلى جانب تحويل المستحقات المالية للسلطة الفلسطينية، وهو ما لا يروق الكثيرين في حكومة الاحتلال.إذ أعرب عضو مجلس الحرب، جدعون ساعر، عن رفضه لذلك الاقتراح، قائلاً إن «العملية القاسية في رعنانا دليلٌ إضافي على عدم وجود إمكانية للتمييز بين هذا أو ذاك من بين العمال الفلسطينيين، سواءً من الضفة أو غزة، ولا سيّما في فترة حرب. حتى عمر العامل لا ينطوي على ضمانة بأن لا يقوم بعملية. علينا محاربة أي دخول ومكوث غير قانوني لعمال فلسطينيين حرباً شعواء: بالمنع، والعقاب الشديد لكل من يساعدهم في السفر والحركة والمبيت والتشغيل». وفي الاتجاه نفسه، وتحت ذريعة أن الشابّين اللذين نفذا عملية رعنانا كانا يعملان في الداخل المحتل ودخلا من دون تصاريح، هاجم وزير «الأمن القومي»، إيتمار بن غفير، الأصوات الداعية إلى إعادة العمال، قائلاً في تغريدة على «إكس» مصحوبة صورة تتضمّن تصريح غالانت: «وزير المفهوم المغلوط غالانت. هكذا بالضبط أجبتني حينما حذّرت، قبل السابع من أكتوبر، من إدخال عمال من غزة إلى إسرائيل. النهاية المرة بتنا جميعاً نعرفها. ربما حان الوقت لكي نستيقظ؟».
ومنذ السابع من أكتوبر، منعت إسرائيل العمال الفلسطينيين من العمل في الداخل المحتل، علماً أن بيانات غير رسمية تشير إلى أن عددهم حوالى 205 آلاف يعيلون قرابة مليون مواطن. وانعكس فقدان هؤلاء، طوال 100 يوم، مصدر رزقهم، سلباً على الوضع الاقتصادي برمّته. وبحسب المصادر العبرية، فإن الحكومة والمؤسسة الأمنية تفكران في شروط جديدة أكثر صرامة لإعادة العمال، منها أن يكونوا كباراً في السن وعملوا لفترات طويلة في إسرائيل، وأن يكونوا متزوجين ولديهم عدد كبير من الأولاد، فضلاً عن إخضاعهم لتدابير أمنية إضافية تقوم على منع احتكاكهم بالعمال الإسرائيليين، ومرافقتهم ذهاباً وإياباً من أماكن عملهم حتى المعابر التي يفدون منها، ومنع مبيتهم في أماكن العمل، على أن يتم ذلك بالتدريج بدءاً بخمسة آلاف عامل. وبحسب «القناة الـ12» العبرية، فإن نتنياهو يوافق على هذه الترتيبات، لكنه لم يطرحها على طاولة مجلس الحرب، لأنه يدرك أن بعض الوزراء يرفضونها ويهدّدون مستقبل الائتلاف الحاكم، رغم تحذير المؤسسة الأمنية الإسرائيلية من مخاطر استغلال «حماس» وإيران الأزمة الاقتصادية، وتوزيع أموال من أجل اقتناء السلاح وتنفيذ عمليات، والحضّ على المشاركة في مسيرات غاضبة.
يطرح قادة اليمين خطة لاستقدام عشرات آلاف العمال الأجانب


هكذا، تحوّل ملف العمال الفلسطينيين إلى مادة سجال، استغلّها قادة اليمين لمهاجمة المؤسسة الأمنية الإسرائيلية. إذ اعتبرت عضو «الكنيست»، ليمور سون هار ميلخ (حزب «القوة اليهودية» برئاسة بن غفير)، أن ما نسمعه يدلّل على أن وزير الأمن لم يتعلم شيئاً من السابع من أكتوبر، مضيفةً أن «الاعتقاد بأننا عندما ندفع المال لعرب غزة، ونسمح لهم بالعمل في إسرائيل، نمنع الإرهاب، قد تفجّر على أرض الواقع. محاولة استنساخ هذه الغلطة مع عرب الضفة الغربية هو خطير، وفي حال حاول غالانت اتباع سياسة استسلام، فهو مدعو إلى تسليم المفاتيح». ويتسلّح قادة اليمين، في موقفهم، بفشل النظرية التي طبقها نتنياهو في قطاع غزة، والمتمثّلة في إنفاذ تسهيلات اقتصادية للقطاع، والسماح لعشرين ألف عامل من أبنائه بالدخول إلى إسرائيل للعمل، لتنفيس الضغط وتحقيق الهدوء، وإيجاد مكاسب مادية قد تدفع الغزيين إلى التمسك بها على حساب مواجهة إسرائيل أو استمرار التصعيد الأمني.
في المقابل، يطرح قادة اليمين خطة لاستقدام عشرات آلاف العمال الأجانب، تقوم، بحسب مصادر سياسية تحدثت إلى قناة «كان 11» الرسمية، على جلب عمالة بديلة من مختلف أنحاء العالم، على النحو الآتي: 25 ألف عامل من سريلانكا، و20 ألفاً من الصين، و17 ألفاً من الهند، و 13 ألفاً من تايلاند، و6 آلاف من مولدوفا. لكن «اتحاد المقاولين الإسرائيليين» في فروع البناء يرفض هذه الخطة، معتبراً أنها «مجرد تهديد كاذب سبق وأن طُرح عشرات المرات في الماضي، لكنه فشل»، داعياً الحكومة إلى إيجاد صيغة لإعادة العمال من الضفة و«الامتناع عن استخدام الموضوع للتجارة الحزبية». وفي ظلّ تردد الحكومة في حسم هذا الملف، بدأت تلاحظ عودة تدريجية لبعض العمال إلى أماكن عملهم في الأيام الأخيرة، فيما قد تلجأ سلطات الاحتلال إلى تسهيل عملية إعادة هادئة وجزئية، بشروط وإجراءات مشدّدة.