تحوّلت مهمّة جنود الاحتياط في دولة الاحتلال، إلى عبء «غير إنساني»، كما يصفه هؤلاء. فبعد 90 يوماً من القتال المتواصل والمُرهق، سُرّح مقاتلو الاحتياط في «لواء النقب» أخيراً. إلّا أنه لم يمضِ وقت قليل على ذلك، حتى استُدعوا مرّة جديدة لـ40 يوماً، للخدمة في «غلاف غزّة» أو في الضفة الغربية المحتلة، علماً أن كثيرين منهم هم أصحاب أعمال ومصالح تجارية مستقلّة بدأت تنهار، فيما الجيش يحاول إقناع جنوده بالبقاء في الاحتياط بشروط الخدمة الدائمة. وطبقاً لما نقله المراسل العسكري لصحيفة «يديعوت أحرونوت»، يوآف زيتون، فإنه رغم إعلان الجيش تسريح ألوية احتياط تقاتل في غزة منذ هجوم «طوفان الأقصى»، ونيّته تسريح آخرين في الوقت القريب، يبدو الواقع مختلفاً، و«غير مقبول» بالنسبة إلى عشرات الآلاف من جنود الاحتياط الذين «يئنّون تحت العبء الذي في الإمكان مقارنته مع المدة التي طالت فيها خدمة الاحتياط في حرب يوم الغفران عام 1973».وفي هذا السياق، تحدّث قائد أحد الألوية الاحتياطية التي شاركت في المناورة البرية شمالي قطاع غزة، عن محادثة دارت بين أحد القادة الذي يُشغّل مصلحة خاصة، وبين ممثّلة التأمين الوطني، إذ تساءل الأول عن المساعدة التي سيحصل عليها كتعويض عن غيابه مدة طويلة عن مصلحته، والبدل المادي الذي سيحصل عليه مقابل الأضرار الاقتصادية التي لحقت بعمله، فكان ردّ الثانية بأنه «لو كنتَ عاطلاً عن العمل، فكنت ستعوَّض أكثر من قبل الدولة». وأضاف قائد اللواء: «لقد وصل جنود الاحتياط إلى حدّ التفكك والانهيار، وبالأخص أصحاب الأعمال التجارية الصغيرة والمتوسطة. وبدلاً من أن تعوّضهم الدولة بمبالغ معقولة، على الأقل 50 ألف شيكل، كما جرى الحال في مدة كورونا، فإنهم يُتركون الآن لينهاروا أو ليعتمدوا على التبرعات والصدقات».
ووفقاً لما نقله زيتون عن ضباط يحاولون تقديم المساعدة للجنود، فإن هؤلاء الأخيرين «يرفضون في الوقت الحالي الخروج في تظاهرات، فيما يعانون بصمت». مع ذلك، تحدث المراسل عما حدث في «اللواء 646» الذي يقاتل حالياً في ممرّ «نيتسريم»؛ حيث أعطى قائد اللواء، في خضم الأزمات والمشكلات بين جنوده، موافقة استثنائية لأحد الضباط لكي يخرج في منتصف مداولات الفرق القيادية قبل أسبوعين، ويسافر إلى الولايات المتحدة بهدف تجنيد أموال لشركة «الستارت أب» التي يملكها قبل أن تنهار، على أن يعود في غضون أيام قليلة إلى ميدان الحرب. وقال أحد المقاتلين في إحدى الكتائب على الحدود الشمالية المحاذية للبنان، والمتواجد هناك منذ استدعاء الاحتياط بموجب الأمر ثمانية، بدوره، إنه طالب في علوم الحاسوب في سنته الثالثة في الجامعة العبرية في القدس، ويعمل في إحدى شركات التكنولوجيا العملاقة في إسرائيل، مضيفاً أنه رغم أنّ «الشركة التي أعمل فيها تدعمني، ولكن أخذوا أحد المشاريع التي عملت عليها لمدّة سنة كاملة، وهو ما سيضرّ بمسيرتي المهنية. الفجوات في التعليم (الذي خسره حالياً) بعد افتتاح الجامعات، سأقوم بتعويضها على حساب وقتي الخاص وحساب الراحة، هذا إذا انتهت الحرب أساساً».
نهاية الأمر «غير منظورة في الأفق» فيما خدمة الاحتياط ستستمرّ شهوراً إضافية


وطبقاً لأحد قادة الألوية في الجنوب، فإن «الامتثال لأوامر التجنيد كان في 7 أكتوبر بنسبة 120 - 130%، وقد سرّحنا ما بين 10 - 15% من هؤلاء، خصوصاً الذين كانوا في أوضاع صعبة جداً، اقتصادية ونفسية. ولكن كيف سيستطيع هؤلاء العودة (إلى الخدمة) في ظل حالة عدم اليقين الماثلة أمامنا؟ كيف يمكن للمشغّلين أن يُشغلوا مصالحهم لشهر أو شهرين ثم يتوقفوا ليعودوا إلى القتال؟». وأضاف القائد الذي يسكن في مستوطنة المطلة شمالاً، أنه «طلب البقاء في الخدمة رغم قرار تسريحه المؤقت، على اعتبار أن مستوطنته مخلاة، ولا يوجد لديه مكان يعود إليه، ولذلك طلب البقاء في الخدمة حتى إعادة طلبنا الشهر المقبل للخدمة في رام الله لمدة 40 يوماً». وتابع أنه «يخشى من اندلاع احتجاجات، في ظلّ الإحباط المتنامي في صفوف الجنود، خصوصاً لناحية المساواة في الأعباء». كما تطرّق إلى مسألة الاهتمام بالإصابات في صفوف جنوده، وقال إن هذه هي مهمة بحدّ ذاتها، مشيراً إلى أن «عدداً منهم لم يستعيدوا عافيتهم النفسية بعد».
أمّا الأزمة الثانية التي تتعلّق بعدم اليقين، فتقع في قسم العمليات؛ إذ بحسب المراسل العسكري، فإن المسؤولين في القسم «يقولون إنه ينبغي تنظيم مواعيد العمليات التشغيلية في السنة الحالية، من أجل تخفيف ضباب الحرب الماثل أمام ألوية الاحتياط، ولكن في ظلّ عدم وجود خطة لليوم التالي للحرب على غزة، واستمرار التوتر على الجبهة الشمالية، فإن أحداً لا يعلم بالضبط كيف وإلى متى سيمتثل للخدمة مجدداً على مدار عام 2024».
من جهتها، قالت رائدة في الاحتياط إن «هناك أضراراً لا يمكن حصرها؛ فزوجي هو مهندس مستقل خسر حتى الآن مشروعين بقيمة 100 ألف شيكل (33 ألف دولار)، لأنه يخدم في الشمال، وأنا ضابطة في القيادة الجنوبية»، فيما أشار زميلها في لواء احتياطي آخر إلى أن «زوجتي لديها مصلحة مستقلة، والآن مصلحتها تنهار بسبب تربية الأولاد وشؤون البيت الملقاة على أكتافها من جراء بقائي في الخدمة». وتابع: «لقد أخبرونا بأنهم سيوفرون علاجاً نفسياً، ولكن يوجد هنا آباء أولادهم يعانون صدمات نفسية مقلقة جداً، في حين أن جلسة العلاج النفسي تكلّف ما بين 300 - 400 شيكل (100 - 110 دولار أميركي)، فمن سيقوم بتمويل هذا العلاج؟». أمّا الوضع على الجبهة الشمالية، فهو «أخطر»؛ إذ بحسب ضباط هناك، فإن نهاية الأمر «غير منظورة في الأفق»، فيما خدمة الاحتياط ستستمرّ أشهراً إضافية أخرى. وبالمجمل، وفقاً لحديث أحد قادة الألوية، «سيكون هذا عاماً متفجراً بالنسبة إلى الجنود، ليس فقط على المستوى الأمني بل أيضاً على المستويين الاجتماعي والاقتصادي. ومن الأفضل أن تستفيق الدولة من أجل الذين امتثلوا وتعهدوا بإعادة المجد والأمن القومي. نحن نقترب من اللحظة التي سيضطر فيها الاحتياطيون إلى الانقسام بين العائلة والدولة».