لم يعد مفاجئاً الحديث عن تأثر الإمارات، سلباً أو إيجاباً، بكل ما يتصل بإسرائيل، وخصوصاً منذ توقيع الاتفاقات الأمنية والاقتصادية المشتركة بين الجانبين ضمن «معاهدة أبراهام». والظاهر أن تداعيات المواجهة الدائرة في البحر الأحمر، وارتداداتها على مستقبل العملية السياسية في اليمن، ستصبّ نسبياً في مصلحة الإمارات، التي لم توفر فرصة منذ بدء الخطوات السعودية الجادة لإنهاء الحرب، من أجل إفشال تلك العملية عبر اتجاهين: الأول، الدفع نحو إعادة تصنيف الولايات المتحدة حركة «أنصار الله» كجماعة إرهابية؛ والثاني إخراج السعودية من المشهد السياسي والعسكري عبر السيطرة على كامل الرقعة الجغرافية في الجنوب اليمني.ويبدو أن الموقف الإماراتي الراهن، هو موقف واشنطن وتل أبيب نفسه، حتى لو لم تعلن أبو ظبي انخراطها في الحلف الأميركي لمواجهة منع صنعاء الملاحة الإسرائيلية في البحر الأحمر. فالإمارات تجتهد ميدانياً لتهيئة الأرضية لهذا الحلف، في حال قرّر خوض حرب شاملة على اليمن، وهو ما ظهرت ملامحه في تصريحات حلفاء أبو ظبي المحليين، سواء طارق صالح، أو عيدروس الزبيدي، وخصوصاً أن الأخير دعا، أثناء مشاركته في مؤتمر «دافوس» في سويسرا أخيراً، إلى ضرورة إعادة تصنيف «أنصار الله» كمنظمة إرهابية، مطالباً بتأسيس حلف دولي جديد لشن حرب على صنعاء، يرتكز على حلفاء محليين جدد. ليس هذا فقط، بل إن الزبيدي طالب، في مقابلة أجرتها مع صحيفة «الغارديان» البريطانية قبل أيام، بـ «دعم القوات البرية وتطوير قدراتها لخوض المواجهة البرية ضمن الحلف الذي تقوده واشنطن ضد صنعاء»، معتبراً أن «وقف إطلاق النار مع صنعاء قد انتهى، واتفاقية السلام جمّدت».
حشر أبو ظبي المكوّنات التابعة لها في اليمن للدفاع عن الملاحة الإسرائيلية لن يمر بالنسبة إلى صنعاء من دون ثمن


ويعدّ موقف «المجلس الانتقالي الجنوبي» الذي يقوده الزبيدي، بمثابة صدى لموقف أبو ظبي، التي تسعى إلى إشعال المواجهة مجدّداً في اليمن، وإن عبر وكلائها المحليين. كما تطمح إلى لعب دور محوري عبر إسناد الحلف الأميركي بريّاً، بالزج بالمليشيات التابعة لها، والممتدة من تخوم الحديدة في سواحل البحر الأحمر حتى المكلا المطلة على البحر العربي، والمتمثلة في ثلاث قوى رئيسة: «المجلس الانتقالي» و«المقاومة الوطنية» و«ألوية العمالقة». ويبدو أن أبو ظبي تسعى إلى سد الفجوة بعد نأي الرياض بنفسها فعلياً عن الانخراط في الحلف الجديد، وتستميت لتسجيل انتصار عبر هذا الأخير، ليس فقط في ما يتعلق بمحاولة تغيير المعادلة في الشمال حيث سيطرة «أنصار الله»، ولكن أيضاً من أجل الحفاظ على ما تحت يدها من نفوذ في المحافظات الجنوبية، فضلاً عن الساحل الغربي في الشمال، على اعتبار أن ذلك يحقّق لها جزءاً من الأهداف التي دفعت بها إبان الحرب على اليمن، والتي لا ترتبط بأدبيات «إنهاء الانقلاب ودعم الشرعية»، ولكن تتّصل بطموح الإمارات الذي يتجاوز اليمن، وصولاً إلى الهيمنة الأمنية والاقتصادية في المنطقة كلها، بالارتكاز على السيطرة على الموانئ. ولذا، فصّلت أهدافها في اليمن بما يخدم المشروع الإستراتيجي المذكور.
ربما لم يكن ينقص الإمارات غير الحضور المباشر الأميركي والإسرائيلي في اليمن، وخصوصاً أنها تخشى المواجهة مع صنعاء، في ظل الانكشاف الأمني لقواعدها العسكرية ومواقعها الحيوية التي ستطالها صواريخ «أنصار الله» من دون رادع. لكن حتى الآن، لا يبدو أن الحلف الأميركي مستعد لخوض حرب شاملة، ولن يسعفه الوقت لإمداد الإمارات بالدفعات الجوية، إضافة إلى التقنيات والسلاح الوازن لتبديد مخاوفها من الضربات اليمنية. غير أن حشر أبو ظبي المكوّنات التابعة لها في اليمن للدفاع عن الملاحة الإسرائيلية، لن يمر بالنسبة إلى صنعاء من دون ثمن، وخصوصاً مع تهديدات الأخيرة بتوسعة بنك الأهداف ليشمل مناطق في البرّ. والواقع أن مواجهة من هذا النوع، وفقاً لمراقبين، لن تغيّر فقط من المعادلة على الأرض، بل ستكبح أيضاً جموح أبو ظبي في الجزر والموانئ والسواحل اليمنية، وستفسد على الإمارات كل الترتيبات التي بنتها في سنوات الحرب في اليمن.