غزة | سحقت الحرب الفواصل بين الطبقات الاجتماعية، في شمال غزة تحديداً، حيث أضحى الجميع فقراء. هناك، لم يحصل الموظفون الحكوميون التابعون لرام الله وغزة على السواء، على رواتبهم منذ بداية الحرب على القطاع. تلك الطبقة التي ظلّ يُنظر إليها، إلى وقت قريب، على أنها أفضل حالاً من أولئك الذين يكسبون رزقهم بالمياومة، أضحت في المئة يوم الماضية على المسافة نفسها من الجميع. «فقراء كما غيرنا، صرفوا لنا الرواتب، والبنوك مغلقة. لم نستطع سحبها. أموالنا حبيسة الصرافات الآلية التي تحتاج إلى إنترنت وإعادة صيانة ليتمّ تشغيلها»، يقول أبو العبد، وهو موظف حكومي يتلقى راتبه من الحكومة الفلسطينية في رام الله، مضيفاً في حديثه إلى «الأخبار»، أن «عائلتي مكوّنة من 8 أفراد. قبل الحرب، كان الراتب ما يقلط معنا 20 الشهر، فيما الأسعار عادية جداً. اليوم، كل سلعة أساسية ارتفع سعرها 10 أضعاف. تداينت من كل أقربائي، وزوجتي باعت ذهبها حتى نعدي هالأيام الصعبة، وما ضل إشي نبيعه».الأسوأ حالاً من أبو العبد، هو محمد أبو إسماعيل، الموظف في وزارة التربية والتعليم في القطاع. يقول محمد، الذي تجاوز عمره الأربعين عاماً، إنه وأكثر من 40 ألفاً من أمثاله، لم يتلقوا منذ بداية الحرب سوى مبلغ 800 شيكل (الدولار الواحد يعادل 3.6 شيكل)، علماً أن الحرب بدأت في السابع من أكتوبر، وكان من المفترض أن يتلقّوا رواتبهم بعد ثلاثة أيام من بدايتها. ويتابع في حديثه إلى «الأخبار»: «بدأت الحرب وجيوبنا فارغة. تُركنا خمسين يوماً ولم يصل إلينا ولا شيكل. أثناء الهدنة الإنسانية، أعطونا 800 شيكل، يعني قبضنا أقل من نصف راتب شهر واحد في 130 يوماً. الله عليم كيف مدبرين حالنا».
دمّر الاحتلال منظومة شبكة المعلومات الحكومية بشكل كامل


في سوق مخيم جباليا، التقينا أبو ياسر الحولي، وهو موظف في القطاع الصحي، كان يجول على البسطات والمحلات التجارية رفقة ابنيه. يقول الرجل الذي خرج من المستشفى الإندونيسي بعد عمله فيه لمدة 48 يوماً متواصلة، إنه ترك عائلته في مركز إيواء، وألقى المسؤولية على زوجته، ولم يستطع أن يوفّر لأبنائه أيّ مبلغ مالي في تلك المدّة. ويضيف في حديثه إلى «الأخبار»: «كنا نتوقع أن الجهات الحكومية أو الأهلية ستحمي ظهرنا، ونحن نمارس مهمّتنا الأخلاقية التي لم نغادر فيها المستشفى مطلقاً، ولكنّني وجدتهم من دون أي رعاية. لقد خسر الأولاد نصف وزنهم، ولم يذوقوا طوال مدة غيابي عنهم سوى الأرز الذي يوزعه أهل الخير بالمجان». «كيف مدبر حالك اليوم يا عم؟»، نسأله، فيجيب: «الله ما بيقطع حد، الأصدقاء والأهل شالوا معنا كتف، إلي معه شوية فلوس مخبيهن لمشروع زواج أو بناء، طلعهن وفك أزمتنا. صحيح ديوننا تضاعفت وتربعت، وما بنعرف كيف ممكن نسدها، لكن الله بيفرجها».
وبحسب مصدر حكومي في غزة، فإن ثمة أزمة كبيرة في صرف رواتب الموظفين، تتعلّق بتدمير الاحتلال منظومة شبكة المعلومات الحكومية بشكل كامل، فضلاً عن استهداف البنوك والمؤسسات المالية كافة التي لها صلة بالحكومة وحركة «حماس». ويقول المصدر لـ«الأخبار»: «لا يدّخر من نستطيع الوصول إليهم من المسؤولين الحكوميين جهداً في التخفيف عن الموظفين، لكن الظرف أكثر صعوبة وتعقيداً مما هو متوقّع».