في وقت تتعرض فيه الإدارة الأميركية لانتقادات خارجية وداخلية حادة، على خلفية السياسة التي تنتهجها إزاء الحرب على غزة، والتي دفعت بشعبية الرئيس جو بايدن إلى أدنى مستوياتها، على أبواب الانتخابات الرئاسية، يبدو أنّ منسق شؤون الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في «مجلس الأمن القومي»، بريت ماكغورك، الذي يقود منذ مدة، بمساعدة عدد من الخبراء، عملية التخطيط الأميركية لمستقبل الحرب في القطاع، سيكون آخر ضحايا السياسة المشار إليها. إذ طبقاً لما نقلته صحيفة «هافينغتون بوست» الأميركية عن مسؤولين أميركيين كبار، فإن «نقمة» متزايدة، ولا سيما في أوساط الأعضاء التقدميين في «الحزب الديموقراطي»، أصبحت تحيط بماكغورك، وسط اتهامات له بالتعامل مع الأحداث الأخيرة بأسلوب «يقوض»، إلى حد كبير، مكانة بايدن، ويتسبب بتفاقم «الخسائر الإنسانية». وعليه، ‏يناقش الديموقراطيون في «مجلس النواب» مطالبة الرئيس بالدفع في اتجاه استقالة ماكغورك، علماً أنّه تم كتابة مسوّدة في هذا الصدد، ومن المتوقع أن تحصل على ما بين 10 إلى 15 توقيعاً، على أن يتم، الأسبوع المقبل، توزيع الرسالة على نطاق أوسع، وطرحها في الاجتماع القادم لـ«التجمع التقدمي القوي» في الكونغرس، والذي يضم أكثر من 100 عضو.وتركز هذه الانتقادات، بشكل أساسي، على رهان ماكغورك على التوصل إلى صفقة سعودية - إسرائيلية، باعتبارها «السبيل الأمثل لإحلال السلام في الشرق الأوسط». وطبقاً لـ«هافينغتون بوست»، فإنّ العديد من المسؤولين الأميركيين يعتبرون أنّه من غير المرجح أن يُكتب لخطة المستشار الأميركي النجاح، مشيرين إلى أنّه حتى في حال نجاحها، فهي ستكون بمثابة تجاهل لمعاناة الشعب الفلسطيني، وستنثر «بذور العنف» في أوساطه. كما أنّ خطة ماكغورك «الطموحة» هذه، تأتي في ظل غياب أي مؤشرات إلى أي تجاوب إسرائيلي معها، إذ نفى رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، الخميس، علناً، إمكانية تبنيها، مؤكداً أنّ «إسرائيل لن تقبل بإقامة دولة فلسطينية، أو حتى الحكم الذاتي الفلسطيني المحدود في القطاع»، والذي يتماشى مع تصورات ماكغورك.
على أنّ مساعي ماكغورك الأخيرة ليست بمستغربة، باعتبار أنّه كان دائماً من الأصوات المؤيدة للسعودية داخل الإدارة الأميركية، بحسب الصحيفة نفسها، التي كانت قد كشفت في كانون الأول، أنّ المسؤول الأميركي الكبير يضغط على بايدن لرفع الحظر المفروض على تصدير الأسلحة الهجومية إلى الرياض. وتدور الانتقادات الأخرى الموجهة إليه، طبقاً لمسؤولين أميركيين سابقين وحاليين، حول مساعيه «الخاطئة» لتعميق العلاقات بين الولايات المتحدة والسعودية سابقاً، على الرغم من عدم استجابة الأخيرة للمطالب الأميركية حول خفض أسعار النفط، قبل الانتخابات النصفية الأميركية، نتيجةً «لتقربها من بكين وموسكو»، ما أضر بـ«الحزب الديموقراطي». وفي حين عمد بايدن، في أكثر من محطة، إلى الإيحاء بأنّ ماكغورك هو الرجل المناسب لتولي المهام الموكلة إليه، فإنّ منتقدي الأخير يعتبرون أنّه يتمتع «بنفوذ كبير على الرئيس»، ويتهمونه «بتهميش أصحاب الخبرة من أفراد الأمن القومي الآخرين في وزارة الخارجية والبنتاغون».
في المقابل، وإذ يستشهد داعمو ماكغورك بدوره في إنجاح الهدنة بين السعودية وحركة «أنصار الله» في اليمن، كمؤشر إلى «خبرته وذكائه»، فإنّ عدداً من المراقبين يرون أنّ الهجمات التي تشنها القوات اليمنية المسلحة، أخيراً، مردها فشل سياسة بايدن، ومن خلفه ماكغورك، في التوصل إلى حل سريع للحرب الدائرة في غزة، ما جعل واشنطن تخاطر بتوسيع رقعة الصراع، فيما من غير المرجح أن «تضع حداً» للهجمات اليمنية في البحر الأحمر.